فالمستقل أربعة أقسام هي: السبب، والعلة، والشرط والمانع.
أما السبب: فهو ما جعله الشارع علامة على الحكم، على وجود الحكم التكليفي، ولم يدرك العقل وجه ترتيبه عليه: كزوال الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، وكغروبها سبب لوجوب صلاة المغرب، والعقل لا يدرك العلاقة بين الزوال وصلاة أربع ركعات، وبين الغروب وصلاة ثلاث ركعات وهكذا، فهذا النوع هو السبب.
وقد عرفه القرافي: بأنه ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم؛ لأنه إذا وجد لزم أن يوجد ما علق عليه.
ومن عدمه العدم، أي: أنه إذا لم يوجد لم يصح حصول ما علق عليه، كدخول الوقت فإنه سبب لوجوب الصلاة، لكن إذا لم يدخل لا يمكن أن تؤدى وليست بواجبة، ويمكن أن يعرف: بأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فلزوم الصلاة بدخول الوقت ليس بذات الوقت، إذ قد تدخل ولا تجب على الإنسان؛ لأنه غير مكلف -مثلاً- في ذلك الوقت بسبب عدم بلوغه أو بسبب إغماء أو جنون، أو بسبب تلبسه بمانع كالحيض والنفاس ونحو ذلك، فالسبب قد لا يلزم من وجوده الوجود دائماً لذاته، بل مع حصول الشروط وانتفاء الموانع، لكن يلزم من عدمه العدم، فإذا لم يوجد السبب لا يمكن أن يوجد الحكم كدخول الوقت مثلاً.
وأما العلة: فهي العلامة التي رتب الشارع الحكم التكليفي عليها، ويدرك العقل وجه ترتيبه عليها، كالإسكار علة لحرمة الخمر، والعقل يدرك وجه جعله كذلك، ووجه ذلك: أن الحفاظ على العقل من المقاصد الشرعية ومن ضرورات المكلفين، والخمر تذهب العقل؛ فلذلك يدرك العاقل وجه تحريم الشرع لشربها، ويعلم أن علة تحريمها أنها مسكرة.
أي: مزيلة للعقل.
وفي تعريف العلة اصطلاحاً يقال: (الوصف الظاهر) ؛ المنضبط الذي أناط الشارع به الحكم، فقوله: الوصف الظاهر: لأن العلة لا يمكن أن تكون أمراً خفياً لا يطلع عليه.
(المنضبط) أي: الذي يكون المكلفون فيه سواء، بخلاف الأمور التي لا تنضبط في المشقة، فلا يمكن أن تجعل علة لحكم لتفاوت درجاتها وتفاوت الناس فيها.
(الذي رتب الشارع عليه حكماً) ، أي: علقه به وأدرك المكلف وجه ترتيبه عليه.
وأما الشرط: فهو ما ربط الشارع بوجوده وجود الحكم التكليفي وبانتفائه انتفاءه، ولهذا عرفه القرافي: بأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته كالطهارة للصلاة، فإنه يلزم من عدمها العدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث ما لم يتوضأ) ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فإذا توضأ الإنسان لا تجب عليه الصلاة، فليس الوضوء موجباً للصلاة لكن عدمه مبطل لها.
وأما المانع: فهو ما رتب الشارع على وجوده انتفاء الحكم، وقد عرفه القرافي أيضاً بقول: ما يلزم من وجوده العدم ومن عدمه الوجود -أو- ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، كوجود الحيض والنفاس، فالحيض مانع من الصلاة ووجوده مانع من وجوب الصلاة، وانعدامه ليس موجباً للصلاة دائماً، بل موجب لها بحصول الشروط والأسباب وانتفاء الموانع الأخرى.