ثم مثّل للمجاز بالنقل بكلمة: الغائط، إذ الأصل في الكلمة أنها وضعت للمكان المطمئن فيقصده من أراد قضاء الحاجة؛ ليستتر فيه، فأطلقت على الخارج نفسه من الإنسان، والصحيح أن الغائط حقيقة عرفية، وحينئذٍ لا مجاز.
والمجاز بالاستعارة مثّل له بقوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}، حيث أضاف الإرادة إلى الجدار فشبّه ميله إلى السقوط، شبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط، التي هي من صفات الحي دون الجماد، والمجاز المبني على التشبيه يسمى استعارة، والصحيح أنه ليس من المجاز؛ فإرادة كل شيءٍ بحسبه، إرادة كل شيء بحسبه، إرادة المخلوق تختلف عن إرادة الجماد، كما أن إرادة الخالق تختلف عن إرادة المخلوق، إرادة كل شيءٍ بحسبه.
ومعلوم أن بحث مثل هذه الأشياء في الحقيقة والمجاز مجالها ومحلها كتب البلاغة في علم البيان، وتذكر في كتب الأصول؛ لأنها تبحث في دلالات الألفاظ، وهي من أهم المباحث في الأصول.
على كل حال المسألة في الحقيقة والمجاز مسألة طويلة الذيول، والخلاف فيها كبير بين أهل العلم، والذي عليه جمع من أهل التحقيق نفي المجاز، وممن ينفي المجاز شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
من أراد الاطلاع على المسألة بخصها فليرجع إلى (الصواعق) لابن القيم، ورسالة للشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في منع جواز المجاز، وله أيضاً إجابة عن هذه المسائل أو هذه الأمثلة بخصوصها، له إجابة عنها في مذكرته الأصولية، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.