لما عرف الحقيقة والمجاز وذكر أقسام الحقيقة، أردف ذلك بأنواع المجاز، وذكر أربعةً من أنواعه وهي: المجاز بالزيادة، ومثل له بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}: وزعموا أن الكاف هنا زائدة، ومنهم من يتأدب مع القرآن المصون عن الزيادة والنقصان فيقول: صلة، أيش معنى صلة؟
هي زائدة، يعني من حيث الإعراب لا محل لها كصلة الموصول، يشبهون هذه الأمور الزائدة بصلة الموصول الذي لا محل له من الإعراب، زعموا أن الكاف زائدة؛ إذ لو لم تكن زائدة لكانت بمعنى مثل، فيكون التقدير ليس مثل مثله شيئاً، يقولون: وهذا باطل؛ لأنه يلزم منه إثبات المثل لله -عز وجل-؛ إذا قيل: ليس مثل مثله: أثبتنا مثل المثل -على كلامهم- والصحيح أنها ليست بزائدة وإنما ذكرت للتأكيد، فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من باب أولى.
إذا قلت: زيد ما لمثله مثيل، من باب أولى .. ، مثله الذي يشبهه من بعض الوجوه ليس له مثيل، إذن مثله المطابق له من كل وجه من باب أولى.
وشخص رأى مع آخر ثوباً فقال له: اشتر لي مثل هذا الثوب، فاشترى له الثوب نفسه، فرده، قال: أنا قلت لك: اشتر لي مثل هذا الثوب، ما قلت لك اشتر لي هذا الثوب، فتخاصما عند شريح، فألزمه بأخذ الثوب، وقال: ليس شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه.
وهنا نقول: الصحيح أنها ليست بزائدة، وإنما ذكرت للتأكيد، فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من باب أولى؛ مبالغة في نفي المثل.
ثم مثَّل للزيادة بالنقصان بقوله -جل وعلا-: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، قالوا: المراد أهل القرية؛ إذ القرية لا يمكن سؤالها، والصحيح أنه لا حذف؛ فالمراد بالقرية الأبنية بأهلها، القرية: الأبنية -العمران- بأهله، ولا يطلق على العمران مفرداً قرية، فالأهل جزء من القرية، وعلى افتراض أن المراد بالقرية الأبنية سؤالها ممكن، سؤال القرية ذاتها ممكن، كيف؟
فيكون جوابها بلسان الحال؛ يعني ألا يمكن أن تخاطب داراً خربة فتقول: أين أهلك؟ أين أربابك؟ أين من بناك؟ أين من عمرك؟ نعم، ألا يمكن؟ ألم يسأل علي -رضي الله عنه- القبور؟! والله المستعان.
على كل حال الجواب في مثل هذا يكون بلسان الحال وإن لم يكن بلسان المقال.