يقول ابن دقيق العيد -وهذا الكتاب الذي يشرح فيه ابن دقيق العيد العمدة خير ما يتمرن عليه طالب العلم في ربط الفروع بالأصول -يعني هذا الكتاب -صحيح فيه صعوبة، الكتاب فيه صعوبة، لكن فائدته عظمى، يعني الذي ينفق عليه وقتاً طويلاً ويفهمه، يستفيد فائدة لا تقدر؛ فيه كلام لا يوجد في المطولات، حواشي الصنعاني عليه أيضاً نافعة، لكن العبرة بكلام ابن دقيق العيد- اسمعوا ما يقول ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان، وهو مذهب فقهاء الأمصار، وقال بعضهم من المتقدمين: إن عدتها أقصى الأجلين، فإن تقدم وضع الحمل على تمام أربعة أشهر وعشراً انتظرت تمامها، وإن تقدمت الأربعة الأشهر والعشر على وضع الحمل انتظرت وضع الحمل، وقيل: إن بعض المتأخرين من المالكية: اختار هذا المذهب، وهو سحنون.
وسبب الخلاف: تعارض عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} الآية، مع قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ فإن كل واحدة من الآيتين عام من وجه، وخاص من وجه، فالآية الأولى: عامة في المتوفى عنهن أزواجهن، سواء كن حوامل أم لا، والثانية: عامة في أولات الأحمال، سواء كن متوفى عنهن أم لا.
ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين؛ لعدم ترجيح أحدهما على الآخر: لا يمكن الترجيح، وذلك يوجب أن لا يرفع تحريم العدة السابق إلا بيقين الحل، وذلك بأقصى الأجلين، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث -حديث سبيعة- يعني فجعلوه مرجحاً؛ فإنه تخصيص لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} مع ظهور المعنى في حصول البراءة بوضع الحمل. [هذا كلامه في هذه المسألة وهو ظاهر].