قال المصنف رحمه الله: [ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يمثلون صفات الله].
(ولا يلحدون في أسماء الله وآياته) الإلحاد من جهة أصل اللغة: هو الميل، وما ذكر منه في كتاب الله فإنه في حق قوم من المشركين؛ ولهذا ترى أن شيخ الإسلام يستعمل طريقة يحتاج الاستعمال لها إلى كثير من النظر والتأمل، وحين يقال: يحتاج الاستعمال لها إلى كثير من النظر والتأمل، لا يعني هذا التغليط لها، وإنما يعني هذا أنها لا تستعمل إلا بقدر مناسب، فإن شيخ الإسلام كثيراً ما يسوق الآيات التي ذكرها الله في شأن الكفار -إما من مشركي العرب أو من اليهود والنصارى- أو الآيات التي ذكرها الله عن المنافقين، فيذكرها شيخ الإسلام في كثير من كتبه في مورد ذم المخالفين للسلف من أهل البدعة، ومثل هذا ينبغي أن يتبين مراده منه.
فيقال: إن سائر ما يذكره المصنف في كتبه من هذه الآيات التي نزلت في حق قوم من الكفار لم يرد بها مسألة الأسماء والأحكام، بمعنى: أن هؤلاء يأخذون حكم الكفار، ولم يرد بها إلا مسألة المشابهة في الأفعال أو المشابهة في الأقوال؛ فإنه لا شك أن بعض المسلمين قد يقع منهم مشابهة في الأقوال أو في الأحوال والأعمال لقوم من الكفار، وبهذا يكون ذكر مشابهتهم لقوم من المشركين أو اليهود أو غيرهم ليس مشكلاً، لكن لا ينبغي أن يفهم أنه يعطي حكم المسلمين من أهل البدع حكم الكافرين من عبدة الأوثان أو غيرهم.
وذكره لمسألة الإلحاد يقصد به مسألة التعطيل، فإن عدم التحقيق لإثبات الأسماء والصفات هو نوع من الميل عن الحق في آيات الله وأسمائه وصفاته، ومن هنا سمي قول المعطلة إلحاداً من هذا الوجه، وإن كان المتبادر في اصطلاح المتأخرين أن الإلحاد إذا ذكر يقصد به الزندقة المحضة، وهذا ليس مراداً في مثل هذا المورد.
قوله: (ولا يمثلون صفاته) أي: أن أهل السنة والجماعة لا ينفون شيئاً من الصفات، ولا يحرفونها بما يسمى تأويلاً، بل يثبتونها على موردها القرآني أو النبوي، وكما أنهم لا يعطلونها بالتأويل والتحريف والإلحاد -الذي هو الميل بها عن حقها الذي قصد بالخطاب- فإنه لا يمثلون صفاته بصفات خلقه، أي: لا يجعلون شيئاً من الصفات مشابهاً لصفات المخلوقين.