تنقسم الصفات المذكورة في القرآن إلى قسمين -وهذا تقسيم اصطلاحي-:
الأول: صفات تعرف بحكم العقل قبل ورود الشرع، ولهذا يُصدِّق بها جمهور من يقر بالربوبية ولو كانوا من المشركين عبدة الأوثان، كاتصاف الله سبحانه وتعالى بالعلم، فإن المشركين في جاهليتهم كانوا يؤمنون بأن الله عليم، وكاتصاف الله سبحانه وتعالى بالقدرة، فإن المشركين -فضلاً عن المسلمين- يقرون بذلك، ولا شك أن الإقرار بعلم الرب سبحانه وتعالى وقدرته وعزته وما يتعلق بهذا النوع من الصفات هو إقرار يُعلم بالفطرة، فإن الله فطر الخلق على ربوبيته، ومن أخص معاني ربوبيته أنه بكل شيء عليم.
أليس الرب سبحانه وتعالى قال في كتابه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172]؟ فهذه الفطرة محصلها أن الخلق قد أقروا لله سبحانه وتعالى بالربوبية، ومن أخص معاني ربوبيته أنه قد أحاط بكل شيء علماً، وأنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير
إلى غير ذلك.
ولا يقل قائل: هذا توحيد الربوبية، وكلامنا في توحيد الأسماء والصفات! لأننا نقول: إن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، إنما هو اصطلاح، وإلا فإن المشهور عند المقسمين من العلماء الذين تقدم شأنهم شيئاً ما أن التوحيد ينقسم إلى توحيد العلم والخبر، وإلى توحيد الإرادة والقصد والطلب وما يتعلق بذلك، باعتبار أن الأسماء والصفات باب من أبواب الربوبية، ولكن خصها بعض أهل العلم بالذكر باعتبار أن مادتها وقع فيها نزاع بين أهل القبلة، بخلاف بعض معاني الربوبية الأخرى، وكل هذا مما يُستعمل عند أهل العلم، ولا إشكال في ذلك.
وتحصل من هذا أن باب الربوبية من أخص أبوابه باب الأسماء والصفات.
القسم الثاني: صفات لا تُعلم إلا بعد ورود الشرع، فمثلاً: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) يقال: إن هذه الصفة علمت بالسمع، وأما العقل فإنه لا يدل عليها ابتداءً.
لكن مع قولنا: إن ثمة جملةً من الصفات لا يدل عليها العقل ابتداءً، ولم تُعرف إلا بخبر الرسل ونزول الكتب؛ فإن هذا النوع من الصفات المعلوم بالسمع وحده فضلاً عن الذي يُعلم بالعقل ابتداءً، يقضي العقل بتصديقه، فإنه لائق بالله سبحانه وتعالى.
ومن هنا عُلم أن سائر الأسماء والصفات مبنية على التسليم وعلى حكم العقل، سواء كان هذا الحكم حكماً قبلياً قضى به العقل قبل ورود الشرع، أم كان حكماً تقريرياً.
وقد يقول قائل: لماذا لا نقف ونقول: إنه مبني على الكتاب والسنة؟
نقول: إنما نذكر مسألة العقل؛ لأن المخالفين عامة مخالفتهم زعموها من موجب العقل، فلا بد أن نبين أن العقل موافق للنقل.