قاعدة في إثبات الأسماء والصفات والفرق بينها وبين باب الإخبار

الإثبات لاسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته عند أهل السنة والحديث معتبر بمورد النص المفصل، فلابد أن يكون مبنياً على دليل مثبت له: إما من كتاب الله، وإما من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا بد للناظر في مسائل الأسماء والصفات أن يعرف فرقاً عند أهل السنة والجماعة بين مورد الإثبات وبين مورد النفي؛ فإنا إذا ذكرنا الإثبات للأسماء والصفات قلنا: إنه مبني على مفصَّل النصوص؛ فلا يثبت اسم من الأسماء ولا صفة من الصفات، إلا وقد ثبتت وجاءت به النصوص؛ إما مطابقةً وإما تضمناً.

والمطابقة نعني بها التصريح بالصفة كالرحمة والعلم والسمع أو التصريح بالاسم كالعليم والسميع والبصير.

والتضمن مستفاد من باب الإخبار عن الرب سبحانه وتعالى، والذي يقول فيه أهل السنة: إن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء.

فهذا -أعني باب الأخبار أو باب الإخبار، ولك أن تقول هذا وهذا والثاني أقرب- مبني على النصوص المفصلة من جهة التضمن.

فإذا قال قائل: كيف يقال: إن باب الإثبات مبني على النصوص مع أن أهل السنة يتوسعون في باب الإخبار، أو يفرِّقون بين باب الأسماء وباب الإخبار عن الرب سبحانه وتعالى؟

فيقال: إن باب الإثبات مبني على النصوص المفصلة، لكن دلالة النصوص قد تكون مطابقة، وهذا ما يصرح به في الأسماء كالسميع والبصير ونحوها، أو في الصفات كالسمع والبصر والرحمة والعلم، أو تقع الدلالة تضمناً، وهذا يفيد ما يسمى بباب الأخبار، ولهذا يخبر عن الرب سبحانه وتعالى ببعض الأفعال وبعض الإضافات التي هي على طريقة الأسماء في اللغة الإضافية، وإن كان هذا الاسم الإضافي لم ترد به النصوص على التصريح، فيقال: إن هذا ليس من الأسماء الحسنى، وإنما هو من باب الإخبار.

فإذا قيل: من أين جاء الدليل على الإخبار؟

قيل: دلت عليه نصوص من الصفات تضمناً، وقد يؤخذ هذا التضمن من صفة واحدة، وقد يكون هذا المعنى الإخباري أُخذ تضمناً من أكثر من صفة أو أكثر من اسم.

وهنا تكون النتيجة: أن باب الإثبات للأسماء والصفات أو الإخبار عن ذلك مبني على مورد النصوص، إما مطابقة وهو ما يسمى صفةً أو اسماً، وإما تضمناً وهو ما يسمى في اصطلاح أهل السنة باب الإخبار، وهذا مصطلح فيه قدر من التأخر، وإن كان قد ذكره الشيخ أبو عثمان الصابوني رحمه الله وجمعه، وذكره الإمام ابن تيمية من بعده.

فباب الإثبات مبني على النص، فإن كان مطابقة، قيل: هو اسم أو صفة بحسب مورده، وإن كان تضمناً، فهو باب من الخبر الذي قد يكون محصَّلاً من اسم واحد أو صفة واحدة، وقد يكون محصَّلاً من أكثر من ذلك.

ومن هنا ذكر الدارمي رحمه الله الحركة من باب الإخبار عن الله، وهذا لفظ فيه قدر من النزاع من جهة: دخوله في باب الإخبار أو عدم دخوله.

ولهذا يقال: إن باب الإخبار قد يقع في بعض إطلاقاته أو بعض حروفه قدر من التردد بين الأئمة، فهذا لا ينبغي أن يُشكل على معتقد أهل السنة والجماعة، وليس هو من باب الخلاف بينهم في الصفات، فإن ما صرحت به النصوص من اسم أو صفة، فإنهم مجمعون عليه، وأما باب الإخبار فكما ترى أنه محصَّل من جهة دلالة التضمن، وقد يكون هذا التحصيل فيه قدر من النزاع، وقد يكون في اللفظ الذي أريد للمعنى المحصل قدر من التردد؛ ولهذا لا عجب أن يقع بين جملة من أهل السنة قدر من التردد في هذا، ولا سيما وقد اشتغل كثير من المتأخرين بهذا الباب -أعني باب الإخبار- فتوسع ابن مندة رحمه الله في كتاب الأسماء والصفات، ومثله البيهقي في هذا الباب في كتابه الاعتقاد، كذلك ابن مندة في كتاب الإيمان أو كتاب التوحيد.

وأنبه إلى أن شيخ الإسلام رحمه الله أحياناً يستعمل لفظ الاسم على مورد الخبر، فهنا لا يقال: إن شيخ الإسلام يجعل هذا المورد من الأسماء الحسنى، فإنه ربما قال: وعند جمهور أهل السنة أن الله يسمى كذا؛ مع أن هذا الاسم الذي أورده بمثل هذا السياق لا ترى أن النصوص جاءت به على التصريح، فمثلاً قوله: (وعند جمهور أهل السنة من أصحابنا وغيرهم أن الله يسمى دليلاً) فهذا ليس من باب أن الإمام ابن تيمية يجعل الدليل من الأسماء الحسنى التي هي على سياق السميع والعزيز والحكيم ..

إلى غير ذلك، فكلمة (يسمى) في مثل هذا السياق لـ شيخ الإسلام هي بمعنى: يخبر عنه بذلك، وتعلم أن الألفاظ مشتركة، فإنك لك أن تقول في سائر الأسماء والصفات أنها خبر عن الله، فإن هذا باب فيه لفظ مشترك واسع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015