صحائف الأعمال

قال رحمه الله: [وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه وأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره كما قال سبحانه وتعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13 - 14]].

هذا في منتهى الحساب؛ فإذا ما حوسب العباد وقرروا بذنوبهم على ما يشاء الله سبحانه تعالى، تنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، وهي ما انتهت إليه الصحائف بعد موازنة الله سبحانه وتعالى، وما يتبع هذه الموازنة من حكم الله وقضائه، فآخذ كتابه بيمينه وهو الناجي، وآخذ كتابه بشماله وهؤلاء هم أهل النار.

ويختلف كثير من المفسرين في ذلك؛ فمنهم من قال: يأخذونه بشمالهم، ومنهم من قال: يأخذونه وراء ظهورهم، ومنهم من قال: هذه في الكفار وهذه في المنافقين، ومنهم من فصل على غير ذلك من التفصيل، والأظهر في هذا أن يقال: الله أعلم.

إلا إذا انضبط نص نبوي مفصل لمثل هذا المجمل من القرآن فإنه يقال به، وأما إذا لم ينضبط فيقال: إن الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير، وأهل النار يأخذون كتابهم بشمالهم ومن وراء ظهورهم، أما العلم بهذا فليس من العلم اللازم، والله سبحانه وتعالى بين لنبيه؛ فما نص عليه كان علماً مشروعاً، وما لم ينص عليه فليس من العلم المشروع.

فالعلم بالرسالات وبأسماء الرسل كموسى وعيسى وإبراهيم هو علم مشروع، يزيد الإيمان، ومع ذلك ثمة رسل ما ذكرهم الله في القرآن، قال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164] فهؤلاء الذين لم يذكر الله سبحانه وتعالى شأنهم في القرآن ليس العلم بشأنهم مشروعاً لهذه الأمة، لأن ما يحصل به العلم -وهو الوحي- لم يأت بهم، فلم ينزل فيهم قرآن ولم يحدث بهم النبي عليه الصلاة والسلام، فتكلف العلم بهم ليس من التكلف المشروع.

ولذلك نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم، فتصديقهم يتضمن الإيمان، فنهى عن تصديقهم في أخبارهم، وما يخبرون به عن الأنبياء، ونهى عن تكذيبهم، إلا إذا كان الذي أخبروا به معارضاً للنصوص معارضةً بينة، فهذا يكذبون به؛ لأنه يعلم حينها أنه من المحرف المكذوب.

ويخطئ كثير في فهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ..) وقوله: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) فهذا ليس على إطلاقه، إنما الخطاب فيه لما احتمل فيه من خبر أهل الكتاب.

أما ما كان من كلام أهل الكتاب بيناً أنه كذب، كبعض الروايات التي يذكرون فيها عن الرسل والأنبياء ما يعلم أنهم لا يقعون فيه وأن الله نزههم عنه، أو يحكون عن التشريع ما يعلم أنه لا يقع في شرائع الله سبحانه وتعالى، فهذا يجب التكذيب به؛ لأنه من المحرف المكذوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015