يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم)) " فيح: ومنه المكان الأفيح المراد به الواسع، ففيح جهنم سعة انتشارها وتنفسها في ذلك الوقت، ((فإذا اشتد الحر)) في أيام الصيف، ((فأبردوا عن الصلاة)) يعني أخروها عن أول وقتها التي كنتم تفعلونها فيه حتى يبرد الجو، ((أبردوا)) أي ادخلوا في الوقت البارد، كما يقال: أنجد وأتهم وأظلم، دخل نجد، ودخل تهامة، ودخل في الظلام، وهنا ((أبردوا)) وأبرد فلان يعني دخل في الوقت البارد، فأبردوا عن الصلاة: المراد تأخير صلاة الظهر إلى أثناء وقتها، وإذا اقتضى الأمر أن تؤخر إلى آخر وقتها فلا بأس للحاجة، من أجل أن يكون للحيطان ظل يستظل به الناس ذهاباً إلى الصلاة وإياباً منها، وإلا لو فعلت في أول وقتها ما صار للحيطان ظل كافي يستظل به الناس، فإذا أخرت عن أول الوقت استظل الناس بالحيطان، ومنهم من يقول: تأخيرها المأمور به إلى آخر وقتها لكي يقرب من ذلك وقت العصر فيخرج الناس إلى الصلاتين مرة واحدة، بهذا يكون كالجمع الصوري، تصلى صلاة الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وفي هذا تيسير على الناس بلا شك، لكن الأمر بالإبراد لا يصل إلى حد آخر الوقت، بل إذا كان للحيطان ظل يستظل به الناس ويقيهم شر الشمس وضربتها، والحر الشديد الذي يؤذيهم يكفي امتثالاً لهذا الأمر، وقال: ((اشتكت النار إلى ربها)) وقال: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا ربِ أكل بعضي بعضاً)) "فقالت" قد يقول قائل: هل النار تتكلم؟ نعم تتكلم، الذي يثبت المجاز يقول: قالت مجازاً؛ لأن الجمادات لا تتكلم حقيقة، والصواب أنها تتكلم حقيقة بلسان المقال وليس بلسان الحال، والقدرة الإلهية صالحة لذلك، كما في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} إيش؟ {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] نعم تتكلم، نعم، المقصود أنه نسب إليها الكلام في نصوص كثيرة، ((أكل بعضي بعضاً)) وذلك لشدة حرها ولعدم وجود ما تأكله فيعود بعضها على بعض، فيأكل بعضها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015