لكي يقبلوا على صلاتهم، هذا من باب التخويف لهم أن لا ينشغلوا بغير الصلاة، لكي يقبل الصحابة على صلاتهم بكليتهم، ومن لازم الإقبال بالقلب الإقبال بالجوارح، وإلا انصراف القلب لا يُرى بمثل هذا النص لكن إذا أقبل القلب لا شك أن الجوارح تبع له، ولذا ترجم الإمام البخاري على هذا: "باب: عظة الإمام للناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة"، ومسلم: "باب: الأمر .. " يعني في صحيح مسلم، وإن كانت الترجمة لغيره: "باب: الأمر في تحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها" على كل حال الخشوع سبق الكلام فيه، وهو عند جمهور أهل العلم سنة، وأوجبه بعضهم، وأطال ابن رجب والغزالي في تقرير وجوبه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكباً وماشياً" يأتي قباء راكباً تارةً وماشياً، وقباء بضم القاف وبالموحدة الباء وهو ممدود (قباء) بالهمز عند أكثر اللغويين، وأنكر بعضهم القصر، وهو موضع على ميلين أو ثلاثة من المدينة، موضع معروف فيه المسجد مسجد قباء، وهو أول مسجد بناه النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته قبل دخوله المدينة، ولذا يختلف أهل العلم في المسجد الذي أسس على التقوى، أول مسجد أسس على التقوى، وكثيرٌ بل أكثر أهل العلم على أنه قباء، وإن كان النص في مسجده -عليه الصلاة والسلام- أصح، لكن إذا نظرنا إلى الواقع هل نقول: قباء أسس على التقوى وإلا ما أسس على التقوى؟ أسس على التقوى، هل هو قبل مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بعده؟ قبله، ولا يمنع أن يكون هناك أول وأول، أول أولية مطلقة، وأول أولية نسبية، وإلا فالنص في كون المسجد الذي أسس على التقوى ولعله المراد به المنصوص عليه في الآية في سورة التوبة، ولا ينفي أن يكون مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى؛ لأن هذا وصفه، أسسه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن المحال أن يكون على غير تقوى، ووجوده في الأعيان قبل مسجده -عليه الصلاة والسلام-.