واشترط بعضهم كونه سفر طاعة، على كل حال السفر المباح جماهير أهل العلم على جواز القصر فيه، سفر نزهة مثلاً، وسفر تجارة يجوز القصر فيه، لكن لا بد أن يكون مباحاً على أقل الأحوال، وإذا كان سفر طاعة فمن باب أولى، الإمام أبو حنيفة وسفيان الثوري يقولون: يجوز القصر في كل سفر سواءً كان سفر طاعة أو مباح أو معصية، والجمهور لا يجيزون القصر في سفر المعصية؛ لأن القصر وجميع الرخص رخص السفر إنما شرعت للتخفيف على المسافر، فهذا المسافر العاصي في سفره ينبغي أن لا يعان على معصيته؛ لأن شخص خرج قاطع طريق مثلاً أو خرج إلى انتهاك محرمات وجرائم مثل هذا ينبغي أن يشدد عليه ويضيق عليه.

الله -جل وعلا- لما ذكر تحريم الميتة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] هذا الأصل، ثم أباحاها للمضطر {فَمَنِ اضْطُرَّ} لكن بقيد، هل الكلام فمن اضطر فليأكل كذا؟ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [(173) سورة البقرة] فدل على أن العاصي لا يترخص، وإذا كان هذا في الأكل من الميتة عند الضرورة فالمنع من الترخص بقصر الصلاة والجمع بين الصلاتين والمسح ثلاثة أيام من باب أولى ألا يرخص له، لا يخفف عليه من أجل أن يرتكب أكبر قدر ممكن من معصيته في سفره هذا، هذا عاصي يضيق عليه ولا يرخص له، هذا قول جمهور أهل العلم، ويرى أبو حنيفة والثوري إلى أن القصر وجميع الرخص مرتبطة بوصف مؤثر وهو السفر، وجد الوصف إذاً يوجد الحكم.

القصر رخصة؛ لأن الأصل في الصلاة الإتمام، والجمع أيضاً رخصة؛ لأن الأصل التوقيت، والرخصة عند أهل العلم ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارض راجح، الأصل أن الصلاة في أوقاتها التي حددت بالنصوص الصريحة {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] جاز تقديم إحدى الصلاتين أو تأخيرها لمعارض راجح وهو السفر الذي من لازمه المشقة في الأصل، لكن هذا اللازم ليس بلازم؛ لأن النصوص علقت ذلك بالسفر، ولذا لو سافر شخص من غير مشقة نقول: يترخص، يجمع ويقصر ويفطر ويمسح ثلاثة أيام بلياليها ولو لم يدرك مشقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015