وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الفطرة)) وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث: أن الطفل خلق سليماً من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة، أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار، يعني على الميثاق.
وقال آخرون: الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، قال: والفطرة في كلام العرب البداءة، والفاطر: المبتدئ، واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض؟ حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، قال المروزي: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه، قال أبو عمر في كتاب التمهيد له: ما رسمه مالك في موطئه، وذكر في باب القدر فيه من الآثار يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، يعني ابتداء الخلق، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.
يعني الحديث: ((فمسح ظهره، ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة ثم مسح ظهره، فقال: خلقت هؤلاء للنار)) يقول: يدل على هذا، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.
ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي في قول الله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} [(30) سورة الأعراف] قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى، ومن ابتدأ خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله تعالى إلى ما ابتدأ عليه خلقه، قال: وكان من الكافرين، ثم قال: وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه! قال: ((أو غير ذلك يا عائشة! إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) خرجه ابن ماجه في السنن.