المستقيم، الصراط الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].
وأهل السنة وسط في جميع أبواب الدين بين أهل الغلو، أهل الإفراط، وأهل التفريط، وأهل السنة في هذا الباب وسط بين القدرية النفاة وبين الجبرية، يعني لو قرأنا في تفسير الزمخشري وجدناه على رأي القدرية النفاة، معتزلي هو، والرازي على العكس جبري، فهذا شأن أهل الأهواء، ينظرون إلى بعض النصوص ويتركون بعضاً، أو يضربون بعض النصوص ببعض، ويسعون إلى إبطالها، وأما أهل السنة فينظرون إلى النصوص بالعينين كلتيهما، قد يجد نافي القدر بعض النصوص، ويجد الغالي في إثباته بعض النصوص، فإذا ضرب بعضها ببعض فإما أن يكون هذا أو ذاك، أو ينسلخ من الدين بالكلية، -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه يحتار، كما قال:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي جعل الأفهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقاً
لماذا صار زنديق؟ لأنه ما اعتمد على الكتاب والسنة، وأهل العلم ينهون طلاب العلم من الاسترسال في مثل هذا الباب؛ لأنه في كثير من مباحثه لا بد أن ترضى وتسلم، وقدم الإسلام لا تثبت إلى على قنطرة التسليم، هناك كتاب عظيم في هذا الباب لابن القيم اسمه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) لا يصلح لطبقات المتعلمين الأولى والثانية، المبتدئين والمتوسطين، إنما يقرأه المنتهي، وعقد ابن القيم -رحمه الله- مناظرات في هذا الباب، وأفاد وأجاد -رحمة الله عليه- كعادته.
المقصود أن على المسلم أن ينظر إلى النصوص كلها وأن يتوسط في هذا الباب، كما هو منهج ومذهب سلف هذه الأمة وأئمتها.