هذا رأي الجبرية، ووفق الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا القدر على ما جاء في النصوص، وأثبتوا التكليف، وأثبتوا أن للعبد حرية وإرادة يختار، له أن يختار أحد الطريقين، أحد النجدين، لكنها حرية مقيدة، وإرادة مقيدة بإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، لا يستقل بفعل نفسه فيكون القول كقول القدرية النفاة، مجوس هذه الأمة، الذين أثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً، ولا يقولون كما يقول الجبرية الذين خالفوا المعقول والمنقول، فيرون أن حركة الإنسان كحركة ورق الشجر، كيف؟ في أحد يمنع الإنسان أن يقوم إلى الصلاة؟ أليس حراً مختاراً أن يقوم ويذهب إلى المسجد؟ قالوا: لا، هو مجبور على القيام، لا يستطيع أن يجلس، والذي لا يصلي هو مجبور على القعود، تعالى الله -جل وعلا- أن يكون في أفعاله مثل هذا، ثم يعذب من جبره على القعود بحيث لم يترك له أدنى حرية يفعل بها ما طلب منه، يعني هل الإنسان عاجز عن أن يأخذ حجراً فيرميه إلى أي هدف؟ هل يقول بهذا عاقل؟ هل الإنسان عاجز بأن يقف على قدميه ويسير إلى المسجد ليؤدي الصلاة المفروضة؟ هذا لا ينكره إلا ممسوخ العقل {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] وما رميت نفي للرمي، إذ رميت نفي الرمي، فيه رد على القدرية النفاة، نفاة القدر، إذ رميت فيه رد على الجبرية {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يعني وما أصبت، الإصابة من الله، إذ حذفت الحجر أو التراب ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، يعني الإنسان له أن يأخذ الحجر ويرمي به الطير، وهذا هو المثبت، لكن الإصابة هي التي إلى الله -جل وعلا-، ولذا تجدون كم من شخص يرمي ولا يصيب، وبعض الناس يصيب، فالذي يسر له هذه الإصابة هو الله -جل وعلا-، فهذا الباب أعني باب القدر مزلة قدم، واحتار فيه كثير ممن وصف بأنه من الأذكياء، لكنه استرسل وراء الأوهام، وقادته ما يدعيه من الأفهام غير معتمد على نص الكتاب، وكلام سيد الأنام، الذي لا يجعل قياده بيد النص هذا يضل بلا شك، يسترسل في وراء الذهن، ثم يبدأ بمقدمات توصله إلى نتائج باطلة، لكن من جعل خطامه وزمامه بالكتاب والسنة قاداه إلى الصراط