"فقال عمر: كأنك مقفر" مقفر مجدب يابس بخلاف المخصب "كأنك مقفر، فقال: والله ما أكلت سمناً، ولا رأيت أكلاً به منذ كذا وكذا" ما رأى، فهو حينئذٍ معذور وإلا غير معذور؟ نعم معذور "فقال عمر: لا آكل السمن" يعني عمر يأكل سمن وخبز، أمير المؤمنين "ثم قال: لا آكل السمن حتى يحيا الناس" يعني يصيبهم الحيا، وهو الخصب، تصيبهم الحيا الخصب، ويشترك الناس في المأكول من السمن ونحوه فيأكل عمر، أما يأكل عمر دون رعيته فلا "حتى يحيا الناس من أول ما يحيون".
"وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفها" يعني كونه يأكل هذا التمر بما فيه من جيد ورديء ورطب ويابس يدل على أنه متنعم؟ لا والله، عمر لم يتنعم، وهو أمير المؤمنين، ويحاسب نفسه عن رعيته الذي فيهم من يأكل وفيهم من لا يأكل، فأكله لهذا التمر كله بما فيه من الحشف يدل على أنه لا يأكل ولا يشبع، ولا يتنعم.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: سئل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الجراد" إيش رأيك بالجراد؟ لما جاء الجراد قبل خمس سنوات قال الناس: هذه حشرات، وفزعوا منها، فزعوا منها وقالوا: هذه حشرات، ما السبب؟ نعم أنهم ما احتاجوا إليها، ولا اضطروا إليها، مع أنها مباحة يعني، ((أحلت لنا ميتتان ودمان ... السمك والجراد ... الكبد والطحال)) فهي مباحة، فلما جيء بها إلى الناس، والآن يحذر منها، يقول: الجراد ضار، نعم إذا رش بالسموم، واختلط به يكون ضار؛ لأن السم ضار، أما الجراد فليس بضار، لكن الناس يسمونه الآن حشرات، وينتقد بعضهم بعضاً، وإذا قدم تقززت النفوس، والسبب في هذا أن الدنيا فتحت على الناس، وكان الناس إلى عهد قريب يخرجون للبحث عنه، ويقول قائلهم: إن الجراد يرخص اللحم، لماذا؟ لأن اللحم لا يعرف إلا في المواسم في الأضحية وشبهها، فيقولون: الجراد يرخص اللحم، أما الآن فالجراد لا يعرف، ولو جيء به لم يؤكل، والله المستعان.