قال يحيى: سئل مالك هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال.
قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها، ومع غيره ممن يؤاكله، أو مع أخيها على مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم" وهذا من الإسرائيليات "كان يقول: يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح" القراح الخالص الذي ليس فيه كدر، وليس فيه ملوحة ولا شوائب "والبقل البري" الذي لا يكلفكم زراعة ولا حصد ولا مئونة، يعني تخففوا من هذه الدنيا "وخبز الشعير" الذي يباع بأرخص الأثمان، ولا تتكلفوا في طعامكم "وإياكم وخبز البر" هذا غالي، المسألة مسألة ممر، ومعبر إلى الدار الآخرة "وإياكم وخبز البر، فإنكم لن تقوموا بشكره" هذا من الإسرائيليات التي تذكر عن عيسى -عليه السلام-، وعلى كل حال هذا فيه لفت إلى أن الإنسان عليه أن يقتصد في أموره كلها، ولا يلزم أن يترك خبز البر؛ لأنه لا يقوم بشكره، عليه أن يأكل، لكن عليه أن يشكر، يأكل الحلال ويقوم بشكره، والله المستعان.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب فسألهما فقالا: أخرجنا الجوع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأنا أخرجني الجوع)) " كان -عليه الصلاة والسلام- في عيشه شيء من الشدة، تمر به الأيام بل الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين لا يوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هما الأسودان الماء والتمر.
" ((وأنا أخرجني الجوع)) فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري" ليجدوا عنده شيئاً يأكلونه "فأمر لهم بشعير عنده يُعمل" أشرف الخلق، وأكرم على الله يقدم له شعير، وهذا يدل على حقارة الدنيا، وأنها ليست بشيء، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن الذي يضيق عليه في أمور الدنيا أنه ليس بدلالة على أن الله لا يحبه؛ لأن الدنيا يعطيها من يحب ومن لا يحب، بخلاف الدين، فالعبرة بالتقوى.