((يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني)) لأن الإنسان إذا جاع تذكر إخوانه الذين لا يجدون ما يشبعهم، وإذا عطش تذكر إخوانه الذين لا يجدون من يسقيهم، وهذه من حكم مشروعية الصيام، فأعظم حكم مشروعية الصيام تحقيق التقوى، ثم العطف على إخوانه الذين لا يجدون ما يأكلون في رمضان، ولا في غير رمضان، وفي هذا تذكير، وهذا ملحوظ أيضاً في هذا الحديث، ولذا قال: ((لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه)) ولو قدر أن إنساناً ممن أنعم الله عليه ولم يخرج، ولم يجتمع بالناس، ولا يرى حاجات الناس يتحسس حاجات الناس لظن أن الناس كلهم في مثل ما هو فيه، وهذه الطبقة الذين لا يدرون عن حاجات الناس لا شك أنهم إذا صاروا حول الولاة فإن ضررهم بالغ على فقراء الناس؛ لذا كانوا يقولون لولي الأمر الذي شغل بأعماله: الناس كلهم ما شاء الله بخير، ولا تجد فقير؛ لأنه قد يسمع من يقول: إنه لا يوجد فقير، ولا يوجد جاهل، سببه عدم مخالطة الناس، وعدم معرفة أحوال الناس، وإلا فالفقر موجود، والجهل موجود، بعضهم يقول لبعض الولاة: إن الناس ما عندهم مخالفات، وما عندهم .. ، وتسمع مثل هذه الكلمات، ولا شك أن مثل هذا غش لولي الأمر، غش له، هو فيما يقابل النصيحة الواجبة، ومعارض لها، نسأل الله العافية، فالذي يعرف أحوال الناس، ويخالط الناس لا شك أن مجالسته لمن بيده القرار خير، هذا إذا اقترن ذلك بالنية الصالحة.
فهذا الكلب بلغ به من العطش مثلما بلغ بالرجل، فتذكر حاله قبل النزول في البئر ((فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه)) لماذا؟ لأنه يحتاج إلى يديه ورجليه في الصعود، لا يستطيع أن يصعد وهو في جوف البئر بيد واحدة، لكنه أمسك الخف بفيه حتى رقي، صعد وزناً ومعنى، فسقى الكلب، وفي بعض الروايات: أن القصة لامرأة بغي، قال: ((فشكر الله له، فغفر له)) شكر الله له صنيعه فغفر له هذا العمل يسير، لكنه عند الله عظيم، الذي أزال الغصن من طريق المسلمين غفر له، فقد يوفق الإنسان لعمل لا يكلفه شيئاً يذكر، ومع ذلك يكون الثواب المرتب عليه عظيم.