وحدثني مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: "رأيت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يشرب قائماً".
وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه -رضي الله عنه- أنه كان يشرب قائماً.
يقول -رحمه الله-:
باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم:
ثبت النهي عن الشرب قائماً، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من شرب قائماً فليقئ)) هذا ثابت ما فيه إشكال، ثم بعد ذلك ثبت عنه أنه شرب من ماء زمزم وهو قائم، وشرب من شن معلق وهو قائم، فالذي يقول: إن هذا نسخ للنهي السابق لا إشكال في هذا، والذي يقول: إنه شرب من ماء زمزم؛ لأن الأرض غير مناسبة للجلوس، فيطرد هذا فيما إذا كان المكان لا يناسب الجلوس، ويبقى النهي على حاله، ومن أهل العلم من يرى أن الشرب قائماً خاص بماء زمزم دون ما عداه من ... ، فتبقى على المنع، وعلى كل حال وجود مثل هذه الصوارف من شربه -عليه الصلاة والسلام- من الشن المعلق، أو من ماء زمزم، إما أن يقال: إنها نواسخ، رفع للحكم بالكلية، أو يقال: إنه رفع جزئي، بمعنى أنها صوارف من التحريم إلى الكراهة، وفعله -عليه الصلاة والسلام- ذلك لبيان الجواز، وهما مسلكان لأهل العلم، منهم من يقول: إن الشرب قائماً مكروه، الأصل فيه التحريم، لكنه صرف بمثل هذه النصوص، ومنهم من يقول: إن الحكم نسخ.
وعلى كل حال أن الشرب من جلوس أفضل وأمرأ وأهنأ، لكن يبقى أن الصحابة فعلوا ذلك بعده -عليه الصلاة والسلام- مما يدل على أنهم فهموا أن النهي منسوخ.
والإمام مالك كثيراً ما يعتمد على الموقوفات من أفعال الصحابة، ويترك المرفوع؛ لأن المرفوع لا يخفى على طالب العلم، ويبقى الموقوف للدلالة على أن الأمر استمر بعده -عليه الصلاة والسلام-.
فيقول: "حدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياماً" هل يتصور من هؤلاء أنهم يخالفون النصوص الصحيحة الصريحة في النهي عن شرب القائم؟ لكن فهموا أنه نسخ، كان نهي ثم نسخ.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأساً" كسابقه.