"فنزي منها فمات، فقال عمر بن الخطاب للذي ادعي عليهم" على الجهنيين: "أتحلفون بالله خمسين يميناً ما مات منها؟ " جعل الحكم حكم القسامة، جعلها قسامة، فيبدأ بالمدعى عليهم، يحلفون خمسين يميناً، ويستحقون الدية، كما هو شأن القسامة، إن حلفوا استحقوا، وإن نكلوا يعاد، تعاد الأيمان إلى ولي من؟ المدعى عليه، الآن فقال عمر للذي ادعي عليهم وهم أولياء القاتل، نعم، هم الذين ادعي عليهم أولياء القاتل: "أتحلفون بالله خمسين يميناً ما مات منها" على السعديين؛ لأن القاتل من بني سعد، وهو القاتل "فأبوا وتحرجوا" وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، لا يجعل الله عرضة ليمينه، حتى يتأكد ويغلب على ظنه، على القول بجواز الحلف على غلبة الظن.
"فأبو وتحرجوا، وقال للآخرين: أتحلفون أنتم؟ " تعاد عليهم الأيمان "فأبوا" فالتورع عن مثل هذا هو الأصل، لا يسارع الإنسان باليمين؛ لأن الشواهد شواهد الأحوال في وقتنا الحاضر أحياناً يسارع الإنسان بنفي الأمر مع يمينه، لو جاء الولد إلى أبيه فقال: صدمني فلان، طلع علي مع الشارع وصدمني، خرج الأب مسرعاً إلى موقع الحادث وأدى الأيمان المتتابعة أن فلان خرج من الشارع وهو ما حضر، وهذا يصير، نعم يحدث كثيراً هذا؛ لأنه سمع أول ما سمع من الكلام هذا فصدقه، إضافة إلى أنه بمنزلة ولده، والسيارة سيارته، يقسم الأيمان أن هذا خرج عليه من الشارع هذا وصدمه، ويمكن الولد هو الذي طلع عليه، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من التحري والتثبت فيها، ولا بد من التورع عن ابتذال اليمين.
"وقال للآخرين: أتحلفون أنتم؟ فأبوا، فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين" بشطر الدية، لماذا حكم بشطر الدية؟ يعني ما حكم بدية أصبع الذي هو محل الجناية وتلف ويكفي؟ لأن الاحتمالين على حد سواء، واحتمال أن يكون مات منها فتلزم الدية كاملة، واحتمال أن يكون ما مات منها فلا تلزم الدية، والاحتمالان على حد سواء، وإذا دار الأمر بين الاحتمالين وسمت تبعاته على اثنين، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟