إيه أحياناً يصدم الإنسان، تقع في يد شخص لا يقدرها قدرها، حتى من أهل العلم، أحياناً تأتي له بهدية فيقول: بحقها، دائم هذه على ألسنة بعض الناس، بحقها، ثم يعطيك ألف وهو بثلاثة آلاف؛ ليدفع منتك عليه، ولو لم يعطك شيئاً كان أسهل عليك، فلا شك أن عموم حديث: ((العائد في هبته)) يشمل الصورتين؛ لأن المهدى له مع إرادة الثواب لا يدري هل يريد الثواب أو لا يريد؟ لا سيما إذا كان من عامة الناس، ممن لم يعرف أنه يكافئ، أما من جرت عادته بالمكافأة فهذا ظاهر، من عرفت عادته بالمكافأة ثم أخطأ في تقدير الهدية، أعطي كتاب أو سلعة نفيسة، فأعطى نصف القيمة أو ربع القيمة هذا متوقع؛ لأن الشيء العادي الموجود في المحلات في الأسواق الذي يعرف سعره غالباً مثل هذا لا يهدى؛ لأنه مبذول، يعني قيمته ضعيفة عند الناس ولو كان غالي، يعني هل يأتي شخص لأمير ويهديه سيارة قيمتها خمسمائة ألف مثلاً؟ لا؛ لأنها موجودة في الأسواق تباع، لكن لو وجد سيارة مديل ثلاثين مثلاً، لا توجد في الأسواق، ثم أهداها نعم تقبل مثل هذه الهدية؛ لأنها نادرة، لكن إذا أخطأ المهدى إليه في التقدير، وقد دفع فيها المهدي الأموال الطائلة يريد الأضعاف، ثم ما أعطي إلا نصف القيمة، هذا لم يرض منها، ولذلك يقول: "فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها" لكن الهبة بنية الثواب هذه، الهبة بنية الثواب، يعني يهدي شخصاً ليهدي له أكثر، يطمع فيه بأن يعطيه أكثر.
وفي غير الهبة المدح من قبل الشعراء، هذا كثير من العصور الأولى، والشعراء يتكسبون بشعرهم، فإذا مدح الأمير بقصيدة فأعاد إليه قصيدة أخرى يمدحه فيها، أو أعطاه مبلغاً لا يجزيه ولا يرضيه، وقد أعطى الذي قبله أضعاف ما أعطاه، لا شك أن هذا مما يثير في النفوس الحزازات ويثير .. ، علماً بأن أصل المدح ممنوع شرعاً، وعلى هذه الطريقة مدح ممنوع في أصله ويكافأ عليه يكون المنع من الجهتين، تكسب مما لا يحل التكسب به، ودفع ثمن ما لا يجوز دفع الثمن عليه.
أما بالنسبة للأعيان التي ينتفع بها مما يمكن إهداؤه، فالثواب على مثل هذه الهدية لا شك أنه شرعي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل الهدية ويثيب عليها، لكن ذا من غير مشارطة.