قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) " هذا الحديث له طرق كثيرة، وإن كانت مفرداتها لا تسلم من كلام، إلا أنه بمجموع طرقه يثبت، وهو قاعدة من قواعد الشريعة ((لا ضرر ولا ضرار)) يعني لا تضر ابتداءً ولا معاقبة، فلا تضر غيرك ابتداءً بأن توصل إليه الضرر، ولا تزيد في الاقتصاص منه إذا ضرك، لا في البداية ولا في النهاية، الضرر ممنوع، فالضرر هو الابتداء بما يضر، والضرار هو معاقبة من أوصل إليك الضرر بأكثر من ضرره الذي وصلك، وجاء النهي عن الضرر {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} [(233) سورة البقرة] {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] المقصود أن المضارة لا تجوز من الطرفين، واللفظ في القرآن يحتمل أن الإنسان لا يضارر ولا يضارر؛ لأن الحرف المضعف يحتمل {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} لو فكينا الحرف المضاعف المشدد لاحتمل أن تكون: لا تضارر والدة بولدها، فتضر أباه، أو تضر الولد، تضره بولده، أو لا تضارر هذه الأم بولدها فيضرها أبوه، حيث تتضرر، المقصود أنه خطاب للطرفين فلا ضرر ولا ضرار.

ومناسبة هذا للأقضية والمرافق لا شك أنها ظاهرة، فالأقضية كلها مبنية على هذا، على انتفاء الضرر، ورفع الضرر عن المسلمين، وما شرع إقامة الحاكم بدءاً من الإمام الأعظم إلى آخر من ينيبه إلا من أجل رفع الضرر عن المسلمين، وكذلك المرافق العامة يحصل فيها مضارة، يحصل فيها منافسة، مع ذلك بعض الناس إذا جاء إلى مكان مما يرتفق به أخذ منه أكثر من قدر حاجته، حبس منه أكثر من قدر حاجته، وضيق على الناس، ويكون الأمر أشد إذا كان مما يتعبد به، يعني مواطن عبادة، مثل مسجد مثلاً، أو المشاعر، تجد الإنسان يأخذ أكثر من حاجته، والناس يتضايقون، لا شك أنه ضرر هذا، هذا ضرر، لا بد من رفعه؛ لأنه يتضرر به الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015