كمن قدح في عضو الهيئة إن كان قدحه فيه لما يزاوله من شعيرة من شعائر الإسلام هذا خطر عظيم عليه، وإن كان قدحه فيه لذاته، وأنه يرى فيه قصور، أو كانت بينه وبينه شحناء وعداوة وبغضاء دنيوية لذاته، فهذا شيء يختلف، فهو بشر كسائر الناس، فيفرق بين هذا وهذا، وإن كانت المسألة من المضايق، يعني قد لا يتصور الإنسان أنه يُحكم عليه مع حبه ومع كونه مجبول على حب الدنيا ويُحكم عليه ولا يجد في نفسه حرج، وقل مثل هذا فيمن توفي له عزيز ولده مثلاً أو أمه توفيت، ونقول: عليك الرضا بالقضاء، بعض الناس لا يستوعب مثل هذا، بل إذا قيل له: لا بأس أن تبكي وتدمع عينك وترضى بالقضاء، بعض الناس ما يستوعب مثل هذا، وهناك مسائل قريبة من هذه المسألة، وهي بالفعل مضايق تحتاج إلى دقة وشفوف في النظر، والله المستعان.
في الحديث الذي بدأنا به حديث أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي)) بشر كما هو معلوم يطلق على الواحد كما هنا، ويطلق على الناس كلهم أنهم بشر، والحصر هنا ((إنما أنا بشر)) حقيقي وإلا أضافي؟ إذا قلنا: حقيقي ليس له وصف
زائد على البشرية، وإذا قلنا: إضافي له أوصاف أخرى غير البشرية، لكنه في هذا الموطن يقتصر على هذا الوصف الذي يشترك فيه مع سائر الناس في كونه -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه؛ لأنه بشر فهو حصرٌ إضافي وليس بحقيقي؛ حصرٌ إضافي لأنه له أوصاف كثيرة -عليه الصلاة والسلام-، وكونه بشر يُقصر عليه في هذا الموضع؛ لأنه لا يطلع على حقائق الأمور وبواطنها التي تخفى على البشر، إلا إن أطلعه الله -جل وعلا- عليها.
((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي)) يعني كما تختصمون إلى غيري، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- مؤيد بالوحي إلا أنه في مثل هذا كما يحصل له من السهو في صلاته والنوم عنها كغيره، ينسى أو يُنسى ليسن، وهنا قد يحكم لغير صاحب الحق ليكون قدوة للقضاة.