أما كراؤها بالذهب والورق فلا إشكال فيه، ولا خلاف فيه، وكراؤها بجزء مما يخرج منها هذا هو محل الخلاف، وفيه وردت الأحاديث المتعارضة.

من أهل العلم من يرى أن أحاديث المنع محمولة على ما كان عليه الأمر أولاً، يعني لما هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة، والأنصار عندهم أراضٍ، وعندهم الأراضي البيضاء، والمهاجرون ليس لهم أراض؛ لأنهم طارئون على هذه الأرض، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل نهى عن كراء الأرض إرفاقاً بالمهاجرين؛ لأن من كانت عنده أرض زائدة لا يمنع أن يعيرها أخاه يزرعها ويستفيد منها بدلاً من أن هي جالسة للشمس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يريد الإرفاق بالمهاجرين، ونفع المهاجرين، ثم بعد ذلك أذن بكراء الأرض، منهم من يحمل النهي على هذا، من أجل أن يستفيد المهاجرون من هذه الأراضي البيضاء التي لا يستفاد منها من غير مقابل.

لما تحسنت أحوال المهاجرين أُذن بالكراء، فعلى هذا تكون أحاديث النهي منسوخة، ومن أهل العلم من يحمل النهي على حال، ويحمل حديث الإذن على حال، وجاء التعليل في الأحاديث الصحيحة أنه قد يخرج هذا ولا يخرج هذا، ويخرج هذا ولا يخرج هذا، فيتضرر أحدهم، وفي هذا إشارة إلى أن الممنوع أن يتفق بين صاحب الأرض ومن يريد العمل فيها على جزء معين من الأرض لأحدهما، ويكون الجزء الآخر للآخر؛ لأنه هو الذي فيه الإحتمال أن يخرج هذا ولا يخرج هذا، يشترط رب الأرض أن يكون له ما حول الجداول والماذيانات التي قريب من الماء، والأطراف للعامل، أو العكس إحتمال أن لا تخرج الأطراف، ولا يخرج إلا ما حول الماء، واحتمال أن تزهو الأطراف؛ لأن الماء الذي يأتيها بقدر الحاجة، وما حول الجداول والماذيانات يغرق، ويكثر عليه الماء فيتضرر، فيخرج هذا ولا يخرج هذا، فيتضرر أحدهما دون الآخر، وعلى هذا تتنزل أحاديث المنع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015