"قال يحيى: قال مالك: إن أحسن ما سمع في عمال الرقيق في المساقاة" هذه المزرعة التي يريد صاحبها أن يعقد عقداً مع من يسقيه، يسقي الماء، ويتولى الزرع حتى يطيب، حتى يطيب ثمره، هذا المال، هذه المزرعة فيها عمال يشتغلون، رقيق، فيها عمال، وفيها آلات، وفيها مراش، هؤلاء العمال يقول مالك: "إن أحسن ما سمع في عمال الرقيق في المساقاة يشترطهم المساقى على صاحب الأصل إنه لا بأس بذلك" يشترطهم يشترط بقاءهم على صاحب الأصل، على صاحب المزرعة، يقول: لا مانع أن أشتغل، وأسقي وأعمل في هذه المزرعة على أن تبقي هؤلاء العمال، وتبقي هذه الآلات "لا بأس بذلك؛ لأنهم عمال المال، فهم بمنزلة المال، لا منفعة فيهم للداخل" ماذا يستفيد هذا الداخل من هؤلاء الرقيق؟ لا يستفيد إلا أنه تخف عنه بهم المئونة، يعني بدل من أن يشتغل في المال خمسة عشر ساعة، وعنده عمال يشتغل عشر ساعات، تخف المئونة عنه، "إلا أنه تخف عنه بهم المئونة" وإلا ما له مصلحة من بقائهم، قد يقول قائل: إنه يستفيد منهم غير هذه المئونة، قد تكون المزرعة في مكان خارج البلد، وهذا المزارع المساقى يخاف على نفسه، فوجود هؤلاء العمال لا شك أنه مصلحة له، وقد تنقلب هذه المصلحة إلى مفسدة، يقول: أنا بمفردي أغلق الباب علي أفضل من أن يكون عندي عمال ورقيق ما أدري ويش خلائقهم وطباعهم؟ قد يهجمون علي ليلاً، وقد يكون .. ، نعم المقصود أن المنظور من هذه الأمور هو خفة المئونة، أما المصالح والمفاسد المتوقعة والمترقبة إن كان قد استحضرها وقت العقد، وهو يعرف من حاله ومن طبعه أنه رجل يخاف، لا سيما في الليل، وهؤلاء يؤنسونه، وقد يحرسونه، هذه مصلحة، لكن لا أثر لها في العقد، غير منظور لها في العقد؛ لأنها لا تكلف شيئاً، ولا ارتباط لها بما ابرم العقد من أجله.
"لا منفعة فيهم للداخل إلى أنه تخف عنهم بهم المئونة، وإن لم يكونوا في المال اشتدت مئونته" اشتدت مئونته، وقلنا: إنه بدل من أن يعمل عشر ساعات مع وجودهم لا بد أن يعمل خمسة عشرة ساعة مع عدمهم، "وإن لم يكونوا في المال" يعني إن لم يوجدوا في المال "اشتدت مئونته".