"قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أرى أن تشق الصحيفة" الوثيقة التي كتب فيها هذا القرض مزقها؛ لأنك لو تركتها ثم جاء وقت السداد تكون نسيت، أو يرثها عنك من يطالب الغريم بالأفضل فتكون التبعة عليك، أنت الذي أبرمت العقد، فيقول: "أرى أن تشق الصحيفة" طيب احتمال أن ينكر المقترض إذا شقت الصحيفة، إنكار المقترض أسهل من أن يقع في الربا، أسهل من أن يقع في الربا، ولذا يقول بعض المتساهلين في الفتاوى يقول: تعامل بربا، وسدد ديونك، أنا أقول: لا يسدد الديون ويبقى مدين إلى أن يموت أو يموت وهو مدين أفضل من أن يأكل الربا، نسأل الله السلامة والعافية.
"أرى أن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته، وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت" دون وقبلت أجرت لأنه من حسن الاقتضاء "وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه فذلك شكر" لأن الشرط الذي اشترطه عليه ألغيته بقطع الصحيفة، لكن لا بد أن يكون الطرف الثاني على علم بذلك؛ لئلا يستصحب الشرط السابق "ولك أجر ما أنظرته" يعني ما أخرت عليه الطلب.
قال: "وحدثني مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: من أسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه" لأنه لو اشترط قدر زائد على ذلك لكان من القرض الذي جر نفعاً.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: من أسلف سلفاً فلا يشترط أفضل منه" مثل كلام ابن عمر "وإن كانت قبضة من علف فهو ربا" يعني ولو كان شيئاً يسيراً، والربا لا يتسامح في شيء منه قل أو كثر، ولذا يخطئ من يقول: إنه يتجاوز عن يسيره كيسير النجاسة.
أولاً: من قال: إن النجاسة المغلظة ... ، الربا من أشد أنواع المحرمات فهو مغلظ، فالمغلظ من قال: إنه يتجاوز عن يسيره؟ يعني أليس عند الحنابلة والشافعية أن ما لا يدركه الطرف من النجاسة لا يعفى عنه، ما لا يدركه الطرف فكيف يعفى عن يسيره؟ فقياس مع الفارق، ولا وجه له في هذا الباب "وإن كان قبضة من علف فهو ربا".