قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع)) " لأنهم بمجرد خروجه من بيته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله إلى أن يرجع وهو في سبيل الله، وتكتب له حسناته كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر من صيام ولا من قيام، ولا شك أن هذا فضل عظيم أن يكتب له الأجر وهو قائم، الأجر وهو نائم، الأجر وهو جالس، الأجر وهو في أمور مباحة ما دام لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، فأجره دائم مستمر لا ينقطع ما لم يقطع هذا الأجر ويحرم نفسه منه بإتيانه بما ينافيه ويناقضه، إما قطع للنية، أو استعمال هذا الوقت في ما حرم الله عليه؛ لأنه لا يمكن أن يستمع في وقت واحد طاعة ومعصية في آن واحد، وإن كان بعضهم يقول: إن الجهة يبالغ في هذا ويقول: إن الجهة منفكة يمكن يكتب مجاهد وهو عاصي، كما ذكر ابن العربي في عارضة الأحوذي أنه قد يجتمع قوم للشرب في بيت فيسقط عليهم البيت فيموتون، عليهم إثم الشرب، ولهم أجر الشهادة، لا شك أن هذه مبالغة في انفكاك الجهة، يعني مثل ما قال بعض الأشعرية: إنه يجب على الزاني غض بصره بالمزني بها، يعني المبالغة إلى هذا الحد في انفكاك الجهة يقابله مبالغة الظاهرية في أن كل محرم يبطل العمل، أي عمل محرم يبطله، يعني لو صليت وبيدك خاتم ذهب صلاتك باطلة، الصلاة باطلة، عليك عمامة حرير الصلاة باطلة، لكن أحياناً الجهة يمكن أن تنفك، وأحياناً لا يمكن أن تنفك متى تنفك؟ إذا كان النهي عائد إلى أمر خارج عن هذه العبادة، مثل ما قلنا: خاتم ذهب أو عمامة حرير، لكن إذا كانت الجهة لا يمكن أن تنفك بأن عادت النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، فمثلاً قاتل بسيف مسروق هذا يمكن فك الجهة؟ يمكن أن تنفك الجهة؟ لا يمكن أن تنفك الجهة، لكن لو سرق مالاً اشترى به ماء يمكن أن يستعمله للصلاة، أو يستعمله للشرب، يستعمله للطبخ، هذا قالوا: يمكن أن تنفك الجهة مع أن بعضهم قد يرى أن مثل هذا داخل في المؤثر، فإذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، فإن العبادة أو العقل