والقول الثاني: أن الحصر أعمّ من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال وهو التَّوَهان عن الطريق أو نحو ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا حجاج بن الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من كُسِر أو وجع أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى)) قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق.
وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير، وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: ((من عرج أو كُسر أو مَرض)) فذكر معناه، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عُلَيَّة عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف به، ثم قال: وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل الإحصار من عدو أو مرض أو كسر.
قال الثوري: الإحصار من كل شيء آذاه، ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال: ((حجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني)) ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله، فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث، وقد علق الإمام محمد بن إدريس الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث، وقال البيهقي وغيره من الحفاظ: وقد صح -ولله الحمد-، والحديث في الصحيحين، يعني بعضهم أنكر أن يكون حديث ضباعة في صحيح البخاري؛ لأنه لم يورده لا في الحج ولا في الإحصار، وإنما أورده في كتاب النكاح، تردد القرطبي في تصحيحه؛ لأنه نسبه إلى السنن ولم ينسبه إلى الصحيحين.
المقصود أن المسألة فيها الأقوال المذكورة التي سبق أن أشرنا إليها، وهناك تفصيل للشنقيطي -رحمه الله تعالى-، وقبله للقرطبي، القرطبي -رحمه الله- يقول: قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] فيه اثنتا عشرة مسألة: