يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار -الحميري التابعي المشهور- أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد -صاده حلال- فأفتاهم كعب بأكله قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة ذكروا ذلك له فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب قال: فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا" يعني إمارة جزئية على هؤلاء الركب وإلا فالحاج له أمير، ومكة لها أمير، نعم لأن الإمارات تتجزأ، والصلاحيات تتوزع، نعم فهي إمارة جزئية "فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد -قطيع من جراد- فأفتاهم كعب بأن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ " أي بأكل الجراد وهم محرمون، ومعروف أن الجراد يصاد، نعم فتشمله الآية، فهو صيد، ومصيد "ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ " يعني بأكل الجراد وهم محرمون؟ "قال: هو من صيد البحر" والله -جل وعلا- يقول: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] "قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ " ما الذي يعلمك؟ رأيته يخرج من البحر؟ نعم؟ "قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي -يعني (إن) هذه نافية بدليل وجود الاستثناء بعدها- إن هي إلا نثرة حوت -عطسة، عطس الحوت فخرج الجراد- إن هي إلا نثرة حوت ينثره -يعني يرميه متفرقاً، يعطس ويطلع الجراد ذا- ينثره في كل عام مرتين" وورد به حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة حوت من البحر، لكنه حديث ضعيف، والأكثر على أن الجراد بري وليس ببحري، فلا يجوز صيده وفيه الجزاء، ومن قال: بأنه بحري ولا جزاء فيه اعتمد على مثل هذا وهو ثابت، يعني قرره كعب الأحبار بحضور عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهذا مما يتلقى عن بني إسرائيل مما لا يصدقون فيه ولا يكذبون، نعم، لكن المشاهدة والواقع بعد التتبع من جهات تعنى به يدل على خلاف هذا، نعم، والمسألة اجتهادية، يعني من اقتنع، بلغه مثل هذا الخبر واقتنع به، وقال: إن كعب ذكره في محضر