هل يدخل الورع في مثل هذا أو لا يدخل؟ الآن إذا قلنا: إن اللفظ يدل على الاحتمالين على حد سواء فالورع يدخل، فدل على أن الصحابة يجتهدون في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي وقت التنزيل، وهم من أهل الاجتهاد.

"وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك" بأن ذكروا له القصة كاملة؛ لأن الحكم لا يتبين حتى تذكر كاملة، لو قيل: إن أبا قتادة صاد حماراً وحشياً، فلما صاده أكل بعضنا وبعضنا لم يأكل، نحتاج إلى استفصال، هل كان محرماً أو غير محرم؟ هل أنتم محرمون أو غير محرمين؟ هل أعانه منكم أحد؟ هل أشار إليه أحد؟ يحتاج إلى استفصال، لكن القصة ذكرت كاملة كما جاء في بعض الطرق.

"سألوه عن ذلك فقال: ((كلوا ما بقي من لحمها إنما هي طعمة –يعني طعام- اطعمكموها الله)) "، ((اطعمكموها الله)) أيهما أجود أن يقال: اطعمكموها الله، أو أطعمكم الله إياها؟ الآن هذا في تقديم المفعول على الفاعل، ولو قال: أطعمكم الله إياها، كان هو الأصل تقديم الفاعل على المفعول يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، أطعمكم الله إياه، ويش المانع؟ ما في ما يمنع؛ لأن .. ، إلا أنه كل ما أمكن التعبير بالضمير المتصل كان أولى من التعبير بالضمير المنفصل لأنه أخصر، والتقديم والتأخير هنا جائز، ما في أدنى إشكال.

وفي هذا جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه إعانة على صيده، ولا إشارة سواءً كانت الإشارة قوية أو خفية، يستدل بها من أراد صيده عليه، فإن صاده المحرم أو صيد لأجله بإذن أو بغير إذنه حرم عند الجمهور، لماذا قيد الخبر بكونه لم يصد من أجله؟ في الرواية اللاحقة قال النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي في الصحيحين: ((هل معكم من لحمه شيء؟ )) فقالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها، لماذا قيدناه بأنه لم يصد من أجله؟ للتوفيق بين النصوص؛ لأنه سيأتي في حديث الصعب بن جثامة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رده عليه، فالصعب إنما صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- فرده عليه، وجاء في الخبر أيضاً صيد البر حلال كم ما لم تصيدوه أو يصد لكم، وسيأتي الإشارة إلى هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015