أقول بعد هذا يقول: "حدثني عن مالك عن جعفر بن محمد -وهو الصادق- عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الباقر، وهو لم يدرك علياً -رضي الله عنه-، فالخبر منقطع، يحكي قصة لم يشهدها "أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية" فهل يتصور أنه يقطع التلبية بعد زوال الشمس من يوم عرفة ولا يعود إليها وهو متلبس بإحرام؟ أو أنه يقطع التلبية بعد زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها استغلالاً لهذا الوقت بالذكر والدعاء، وهذا اجتهاد منه، وإلا فالتلبية ذكر، نعم، أقول: لعله يقطع التلبية في هذا الوقت استغلالاً لهذا الوقت عشية عرفة بالذكر والدعاء، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، دعاء وذكر، ثم بعد ذلك يعود إلى التلبية؛ لأنه وقت للتلبية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، أو حتى إذا بلغ جمرة العقبة قطع التلبية.
فالحاج يستمر يلبي حتى يرمي، أو حتى يبلغ جمرة العقبة، والخلاف بين أهل العلم في وقت الرمي هل هو وقت للتلبية أو أنه بمجرد بلوغه الجمرة يقطع التلبية؟ كما ذكر ذلك من ردف النبي -عليه الصلاة والسلام- في انصرافه من مزدلفة إلى منى، وهذا في الصحيح.
"قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا" ويعني المدينة، وقاله ابن عمر -على ما سيأتي- وعائشة وجماعة، وجمهور أهل العلم أنه لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، حتى يرمي ويمكن حملها أيضاً على معنىً يصح لتوافق حتى إذا بلغ، نعم حتى يرمي، يعني حتى يشرع في الرمي، وهذا قول الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة أو بلغ جمرة العقبة.
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمته عائشة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف" وهو محمول على ما حمل عليه سابقه وأنها بعرفة بعد الزوال تتفرغ للذكر والدعاء وهو موافق لفعل علي -رضي الله عنه-.