حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان، في يوم ذي غيم (سحاب) جزم أو غلب على ظنه أنه قد أمسى، يعني غابت الشمس، لا أنه دخل في المساء؛ لأن المساء يدخل قبل ذلك، أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، يعني ظهرت، انجلى الغيم والسحاب فظهرت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير" الأمر سهل؛ لأن هذا الفطر كان عن اجتهاد لا عن تفريط، فلا إثم، وقضاء يوم مكان يوم ما يؤثر، "الخطب يسير، وقد اجتهدنا" يعني في الوقت، حتى غلب على الظن أن الشمس قد غابت، قال مالك: "يريد بقوله: الخطب يسير، القضاء فيما نرى" يعني نظن، والله أعلم، وخفت مؤونته ويسارته" نعم كان الصيام ما يشق على الناس لعدم إخلادهم إلى الدنيا وزخرفها؛ لكن الذي يركن إلى الدنيا الصيام من أشق الأمور عليه، ولذلك تجده يصوم مع الناس مهما بلغت به المشقة، لئلا يقضي يوماً يصوم والناس يأكلون ويشربون، هذا قاتل بالنسبة لبعض الناس، والإمام مالك يقول: "القضاء فيما نرى -والله أعلم- وخفت مؤونته ويسارته" يقول: نصوم يوماً مكانه.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنتي أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم، ثم طلعت الشمس"، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من القضاء، وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟
والجمهور على أنه لا بد من القضاء لماذا؟ لأن الأصل بقاء النهار، فلا يخرج من هذا الأصل إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة ظن، لا بد من يقين.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا، ثم ثبت الهلال أن عليهم القضاء، ويستدل بالإجماع على أنه إذا لم يُر الهلال ليلة الأول من رمضان، وغم عليهم، وأصبحوا مفطرين؛ لأنه يوم الشك، ثم تبين أنه من رمضان بأن رؤي الهلال ليلة تسعة وعشرين من رمضان يلزمهم قضاء اليوم الأول الذي أفطروه، وهذا أمر متفق عليه، ما قالوا: اجتهدنا وأفطرنا يكفينا هذا الاجتهاد.