وآية الصيام التي فيها العذر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [(184) سورة البقرة] هذا مرض، (مريض) نكرة في سياق الشرط تعم المرض الشديد والمرض الخفيف، كما أن السفر عذر مبيح للفطر، وقد يكون المسافر أثناء سفره أكثر راحة منه في بلد أقامته، فإذا وجد الوصف المؤثر جاز له الترخص؛ لكن لا شك أن الاحتياط والاهتمام للعبادة والبراءة منها، والخروج من عهدة الواجب بيقين واستبراء الدين والعرض، هذا هو المطلوب من المسلم، فلا يترخص بأدنى سبب، تلاحظون أثناء الأيام الشتاء التي توجد فيها الأمطار، بعض الناس يجمع بين الصلاتين لأدنى سبب، وبعض الناس لو صارت المسألة طوفان ما جمع، ودين الله بين الغالي والجافي، بعض العامة يبلغ به المرض ما يبلغ بحيث يتضرر ضرر بالغاً، وينصحه الثقات من الأطباء أن يفطر فلا يفطر، كما أن بعض الناس، وهو مسافر يلحقه من المشقة ما يقرب معها من الهلاك ولا يفطر، وهذا ليس من شرع الله في شيء، الدين يسر، ولله الحمد.
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما ذكر هنا، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم" ماذا تشمون من هذا الأسلوب؟ (الأمر الذي سمعته من أهل العلم) والإمام مالك من الأئمة الحفاظ، نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام باتفاق المسلمين، يقول: "الذي سمعته من أهل العلم" ويأنف بعض طلاب العلم أن ينسب القول إلى قائله، ولو كان ممن اختص به صاحبه، فيأنف أن ينسب القول، وينقل عن غيره من الأحياء والأموات مضيفاً ذلك إلى نفسه أنفة؛ لأنه لو كان مجرد نقال فماذا صنع؟ والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم"، يعني كأنه طويلب علم بالنسبة لأهل العلم، فنحتاج إلى مثل هذا.
إن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه، ويبلغ ذلك مبلغ من المشقة والتعب، يبلغ ذلك منه، يكون له أثر عليه، وليس أدنى مرض، فإن له أن يفطر.