الباب السابق في الرخصة، والأخبار التي سردها المرفوعة والموقوفة كلها تدل على جواز ذلك، وإذا ثبت الحكم بدليل شرعي، وثبت الفعل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهل من الورع أن يترك هذا الفعل لما يخشى من الآثار المترتبة عليه؟ يخشى من الآثار المترتبة عليه، يعني هل مثل هذا الورع مطلوب وإلا هو مجرد وسواس؟ لأن هناك ورع يدعيه بعض الناس، بل يفعله ويضيق على نفسه بسببه، وصل الأمر إلى حد أن بعض الناس ما يأكل الخبر، لماذا؟ هذا ذكر في الكتب، ما يأكل الخبر، لماذا؟ يقول: الخبز إيش أصله؟ أصله بر –عيش- والعيش كان إيش؟ كان في سنبلة، فتدوسه الدواب لكي يتخلص من القشور، وهذه الدواب لا يؤمن أن تبول عليه، هذا وجد، وذكر من أمثلة الوسواس، الاحتمال قائم؛ لكن إيش نسبة هذا الاحتمال؟ لأن المسألة اتقاء الشبهات تتبع النسبة، ما من أمر إلا ويدخله شبهة؛ لكن إذا كانت النسبة واحد بالمائة، يلتفت إليها أو اثنين بالمائة أو عشرة بالمائة ما يلتفت إليها؛ لكن إذا زادت هذه النسبة يأتي الورع.
الآن لو شفت شخص مثلاً بالنسبة للنساء تعطلت منافعه، في وقت الفطر لا يحصل منه شيء، فكيف في وقت الصيام، الورع عن مثل في القبلة، يعني كيف شخص كبير السن تعطلت، مثل هذا، لكنه من باب إدخال السرور على زوجته التي فقدت شيئاً مما تطلبه النساء؛ لكن مثل هذا النسبة ضعيفة جداً، ولذا فرق ابن عباس بين الشيخ والشاب.
لكن إذا زادت النسبة وقوي الاحتمال مثل هذا يمنع، ولو ثبت فعله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل قول عائشة: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
يقول: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل بعض أزواجه، وثبت هذا بالنسبة لعائشة وحفصة وأم سلمة، وهو صائم، تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".