فالجمهور على العمل بحديث ابن عباس، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وأما حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) فأجابوا عنه بأجوبة منها: أنه منسوخ، وذلك أن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع، ولا يقول أحد: بأن حديث ابن عباس متقدم على حديث شداد، كلهم متفقون على أن حديث شداد متقدم على حديث ابن عباس، ولذا قال الشافعي: حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع وهو متأخر، وإنما كانوا يعملون بالآخر من فعله -عليه الصلاة والسلام-، والجمهور على هذا، ومنهم من يقول: أن معنى ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أن أمرهما يؤول إلى الفطر؛ فالحاجم لا يؤمن أن يتسرب شيء من الدم إلى جوفه، فيفطر بهذا، والمحجوم لا يؤمن أن يضعف عن الصوم، فيضطر إلى الفطر، فيكون المقصود مآل أمرهما إلى الفطر، يقول ابن خزيمة: "جاء بعضهم بأعجوبة، وهي أن المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، مر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجم ومحجوم كانا يغتابان الناس، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) بالغيبة، يقول: ولو سألت هذا القائل وقلت له: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لقال: لا، إذاً كيف يعول على أن السبب في فطرهما الغيبة والغيبة لا تفطر حتى عند هذا القائل؟ ولذا تعجب ابن خزيمة من هذا القول.
قد يقول قائل: إذا كان مآل الحاجم إلى الفطر؛ لأنه قد يتسرب إلى جوفه شيء من الدم؛ لأنه كان العمل على الآلات القديمة التي تعمل بالمص، والآن أدوات كهربائية أو آلية تشتغل تلقائياً من غير أن يمصها الحاجم، فهل نقول: أنه يفطر أو لا يفطر؟ والصوم إنما ثبت بيقين، وكونه ينساب إلى جوفه شيء مشكوك فيه، حتى على أداء الآلات القديمة، قد يتحرز ولا ينساب إلى جوفه شيء، فكيف يفطر؟ على كل حال هذا على القول بتصحيح حديث شداد، والمعتمد تصحيحه، لكنه متقدم على حديث ابن عباس.
طالب: ألا يمكن أن يقال: الحكمة في الإفطار تعبدية؟