"قال مالك: مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم" لأن الله -جل وعلا- يقول: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [(29) سورة التوبة] ... إلى أن قال: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فدل على أن الجزية إنما تؤخذ ممن يقاتل، والنساء والذرية لا يقاتلون والصبيان "وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الأحرار الذين قد بلغوا الحلم، وليس على أهل الذمة، ولا على المجوس ولا غيرهم في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة" ليس عليهم زكاة حال كفرهم، وإن كانوا مخاطبين بها؛ لأن المرجح من أقوال أهل العلم أنهم مخاطبون بالفروع، والزكاة منها، لكنهم حال كفرهم لا تقبل منهم "لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيراً لهم، ورداً على فقرائهم" والكفار ليسوا من أهل التطهير؛ ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تؤخذ من أغنيائهم)) ما قال: تؤخذ من الأغنياء، إنما قال: ((تؤخذ من أغنيائهم)) يعني أغنياء المسلمين "ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغاراً لهم" أي إذلالاً لهم، "فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية" يعني أخذت منهم الجزية في الشام، ومكثوا في الشام، وتجارتهم بالشام، ما عليهم إلا الجزية، لكن لو خرجوا إلى العراق، أو خرجوا إلى مصر –على ما سيأتي- يؤخذ منهم العشر إضافة إلى الجزية، أما ما بقوا في بلدانهم التي صولحوا عليها، وأخذت منهم الجزية فيها ليس عليهم إلا الجزية "فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين، ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات" وأصله فعل عمر الذي فعله أنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت على ما تقدم وسيأتي، بحضرة الصحابة وسكوتهم عن ذلك "وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية، وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم، ويقاتل عنهم عدوهم" وأحرزوا بالجزية دمائهم وأموالهم "فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر فيها فعليه العشر، من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام" أو العكس "من أهل الشام إلى مصر، ومن أهل الشام إلى