وأما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد؛ لأن الصياغة للذهب والفضة هل تخرجهما عن كونهما ذهب وفضة؟ بدليل أن الربا يجري فيهما ولو بعد الصياغة.
أما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد.
وأما وضع اللغة: فزعموا أن لفظ الرقة، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه.
فإذا علمت حجج الفريقين، فسنذكر لك ما يمكن أن يرجع به كل واحد منهما.
أما القول بوجوب زكاة الحلي فله مرجحات:
منها: أن من رواه من الصحابة عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر، كما قدمنا روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة وأسماء بنت يزيد -رضي الله عنهم-.
أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه فلم يرو مرفوعاً إلا من حديث جابر كما تقدم، وكثرة الرواة من المرجحات على التحقيق.
ومنها: أن أحاديثه كحديث عمرو بن شعيب ومن ذكر معه أقوى سنداً من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عافية بن أيوب، حتى على القول بأنه ثقة.
ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ لأن الإباحة جارية على الأصل، والقول بالوجوب ناقل عن الأصل، ولا شك أن الناقل مقدم، والمؤسس مقدم على المؤكد؛ لأن الذي لا ينقل على الأصل، وباقي على أصل الإباحة هذا لو جاء فيه نص فهو مؤكد لما قبله، وأما بالنسبة لما يأتي بحكم جديد ينقل عن البراءة الأصلية يكون مؤسساً، والتأسيس عند أهل العلم مقدم على التأكيد.
ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول.
ومنها: دلالة النصوص الصريحة على وجوب الزكاة في أصل الفضة والذهب، وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجب الزكاة في عينه، هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول.
وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحليّ المباح فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرماً على النساء، والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقاً، يعني لو لبس الرجل حلي وجبت فيه الزكاة، لو اتخذت المرأة آنية من الذهب والفضة وجبت فيها الزكاة، وأما أدلة عدم الزكاة فيه فبعد أن صار التحلي بالذهب ...