بعضهم يقول: إن الذي يقرأ ولا يفقه ولا يعقل هذا مذموم، وجاء عن ابن مسعود وغيره ذم هذه الطريقة، لا شك أنها في مقابل التدبر والترتيل المأمور به، يعني التدبر جاء في أربعة مواضع من القرآن، جاء في سورة النساء، وجاء في سورة المؤمنون، وجاء في (ص) وجاء في (محمد) القتال، والترتيل جاء في المزمل، وجاء في أيضاً نصوص أخرى من السنة.
المقصود أن الوجه المأمور به لقراءة القرآن بالتدبر والترتيل، لكن ماذا عن شخص اعتاد السرعة والهذ وحاول مراراً أن يتدبر ويرتل وعجز؟ لأن العادة لا شك أنها تملك الإنسان، يعني هؤلاء الذين يسرعون في السيارات إذا ركب السيارة صار يمشي على ما يقولون: طبلون السيارة يمشي مائتين مائة وثمانين، ثم بعد ذلك يرى حادث ويتأثر، ثم يرفق قليلاً قليلاً ثم يرجع إلى ما تعود، هذا نظير من تعود السرعة في القرآن، تجده يسرع، ثم إذا مر عليه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] هدأ، وصار يرتل إلى أن يكمل السورة بعد يمكن يكمل أو لا يكمل ثم يعود إلى طريقته، وهذا الذي يسرع في السيارة يسرع يمشي مائة وثمانين مائتين، فإذا رأى حادث هدأ، صار يمشي سبعين ثمانين، ثم ينسى يزيد إلى المائة مائة وعشرين وخمس عشر دقائق ورجع إلى طريقته، فالمسألة مسألة تعود، فالذي لا يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل خير علاج له أن يسمع، يسمع القراءات المؤثرة من القراء المعروفين بصلاحهم، ويجاهد نفسه في التدبر والترتيل، وعرف من المتقدمين من تختلف عنده القراءة، فعنده القراءات لتحصيل الحروف، وكان يختم في كل يوم، وقراءة للتدبر مكث فيها أكثر من عشرين سنة، يمكن كل يوم آية، يتدبر كل يوم آية، ويمكن يراجع عليها كل التفاسير، فلا شك أن الوجه المأمور به هو التدبر والترتيل كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا ... ب الله لا سيما في حندس الظلمِ