ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى مَبْحَثٍ آخَر مِن مَبَاحِثِ عُلُوم الحدِيثِ فَقَالَ:
24 - ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا ... مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا
الْمُعَلَّلُ فِي اللغةِ: اسم مَفْعُول من أعَلَّه فهو مُعَلّ ومعناه مَرِيض أو عَلِيل (?)، وأجاز بَعضُ أَهْلِ العلم لفظة "مُعَلَّل"، وإلا فإنَّ الأصح لغةً أَنْ يُقَالُ "حديثٌ مُعَلّ"، ويقولون: "حَدِيثٌ مَعْلُولٌ"، وقد أنكرها بعضهم؛ لكنَّ الأَمْرَ يَسِيرٌ فِيهَا، والْخَطْبَ هَينٌ، وفِي الاصطلاح: ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا أي أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اعتراه سَبَبٌ غَامِضٌ أو خَفِيّ قَادِحٌ فِي إسْنَادِهِ أَو فِي مِتْنِهِ مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة مِنْهُ، مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا أي أنَّ هَذَا التَّعريف هُوَ حَدُّ الحديث عند أَهْلِ الفَنِ؛ ولا يمكن أَنْ تُدْرَكَ الْعلَّةُ إلا بعد جَمْعِ الطُّرقِ والفَحص عَنْهَا والسَّبر لجميع مرويَّات الرَّاوِي ومقارنة ذلك بمرويَّات الثقات، وتُعْرَف بأدلةٍ متعددة منها: التَّفرد، والْمُخالفة، والمقارنات وغيرها من الدَّلائل التي تَدُلّ عَلَى العِلَّةِ.
الفَرْقُ بَيْنَ العِلَّةِ وِأَدِلَّتِها وَأَسْبَابِهَا: لكي يُدْرِك الدَّارس حقيقة العِلّة يجب عليه أَنْ يُفِرقْ بَيْنَ العِلَّةِ ذَاتها، وبَيْنَ أَدِلَّتِها أو القَرَائِنِ التِي كَشَفَتْ للنَّاقد أصل العِلّة، وبَيْنَ أسباب العِلَّةِ.
أولاً: دلائل العلة: وهي تلك الدَّلائِل والعَلامَات والظَّواهِر التِي يُسْتَدَلُّ بها ويَظْهر من خلالها أَنَّ حَدِيثًا مَا قد أَصَابته عِلَّة، وهِي عَلامَات عَلَى وقُوعِ العِلَّةِ ولا يُدْرِكَهَا إلا العَالِمُ المتخصص والحافظ البصير والنَّاقد الجهبذ كَعِلل الأبدان لا يُدْرِكَهَا إلا الطبيب البَشَريّ، بل قد تظهر لِغَيْرِهِ مِمَّن هو دونه في العِلمِ والدِّرايةِ والخبرةِ أنها سَلِيمَة صَحِيحَة، وهَذِهِ الظَّواهر هي التِي يُسَميها المحدثون قَرَائِن