وأما تَعَمُد قَلْب إسْنَاد لِمَتْنٍ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك لقصد الْكَشْف عَن حَالِ الْمُحدث مِثَاله مَا وَقع لأهل بَغْدَاد مَعَ إِمَام الْفَنّ البُخَارِيّ لما قدم عَلَيْهِم جمعُوا لَهُ مائَة حَدِيث وَجعلُوا متن هَذَا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر وألقوا ذَلِك عَلَيْهِ فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكُلّ إسنادٍ إِلَى مَتنه، فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ.
ثم انتقل النَّاظمُ رَحِمَهُ الله إلى الكلام عَنِ الحدِيثِ الفَرْد فَقَالَ:
23 - والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةٍ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايةِ
والفَردُ في اللغةِ: مِنَ التَّفَرّد، وَهُوَ عَدَمُ الْمُشَارَكة، أو يُقَالُ الوتر (?). وأمَّا في الاصطلاح كَمَا عَرَّفَهُ النَّاظم رحمه الله بِقَولِهِ: مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ أي معناه: أَنْ يَتَفَرَّدَ بِالحَدِيثِ عَن رَاوٍ مُعَيَّنٍ
ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِهِ أو تَلامِيذِهِ، وهو الْفَردُ الْمُقَيدُ. مثل قول النُّقاد: "هَذَا حَدِيثٌ لم يروه ثِقَةٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلا فُلانٌ"، مَع أَنَّ الْحَدِيث نَفْسَه قد رُوِىَ عَنْ قَتَادَةَ؛ ولَكنْ قد رُوِىَ عَنْهُ مِن قِبَلِ الضُّعَفَاء. ومثاله: مَا أَخْرَجَه البُخَارِيُّ فِي صحيحه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَاسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ». (?)، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيِّ مِن الثِّقَاتِ إلا مَالِكٌ بْنُ أَنَس، عَلَى الرَّغمِ مِن أنَّ الْحَدِيثَ قد رُوِىَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِن رِوَايةِ الضُّعَفَاءِ.