وقد روي قوله [من الرجز]:
590 - هيهات من مصبحها هيهات
بضم الأول وكسر الثاني.
* * *
قال الشارح: قد ذكرنا "هَيْهاتَ" وأنه مبنيّ لوقوعه موقع الفعل المبنيّ، أو بالحمل على "صَه"، و"مَه"، ونحوهما ممّا يُؤْمَر به، وحقه السكون على أصل البناء. والحركةُ فيه لالتقاء الساكنين: الألف والتاء، فمنهم من فتح التاء إتباعًا لما قبلها من الفتح، إذ كانت الألف غيرَ حصينة لضرب من الخفة، كما فتحوها في "الآن"، و"شَتانَ"، وهي لغةُ أهل الحجاز.
وهو اسم واحد عندهم رباعيٌّ من مُضاعَفِ الهاء والياء، ووزنه "فَعْلَلَةٌ"، وأصله "هَيْهَيَة"، فهو من باب "الزلْزَلَة"، و"القَلقَلَة"، ونظيره من المعتل "الزَّوْزاة", و"القَوقاة"، و"الشوْشاة"، و"الزوزَاة": مصدرُ "زَوْزَيْتُ به" وهو شِبْه الطَّرد، و"القَوْقاةُ" كالضوضاة، ومنه "قَوْقَتِ الدجاجة"، إذا صَوَّتتْ. والشوشاةُ. الناقة السريعة، والأصل: الزَّوْزَوَة، والقَوقَوَة، والشوْشَوَة، فقُلبت الواو فيهن ياء لوقوعها رابعةً، ثم قلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فالألف هنا بدلٌ من ياء هى بدلٌ من واو.
و"هيهات" أصلها "هَيْهَيَة"، فقُلبت ياؤه ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فصارت "هَيهات" وتاؤه للتأنيث لَحِقَه عَلَمُ التأنيث، وإن كان مبنيًّا كما لحق "كَيةَ"، و"ذَيةَ" فعلى هذا تُبدِل من تائه هاء في الوقف كما تبدلها في "أَرْطاةٍ"، و"سِعْلاةٍ"
ومنهم من كسر التاء، فقال: "هيهاتِ"، وهي لغة تميم وأسد. ويحتمل أمرَيْن: أحدهما أن يكون اسمًا واحدًا كحاله في لغةِ من فتح, وإنما كُسر على أصل التقاء الساكنَين لخفة الألف قبلها، كما كسروا نون التثنية بعد الألف في قولك: "الزيدان"، و"العمران". ويحتمل أن يكون جَمَع "هيهاتَ" المفتوحةِ الجمعَ المصححَ، والتاء فيه تاء