قال الشارح: قد تقدم القول: إن هذه العلامات إنما تلحق في حال الوقف فقط، فإذا وصلت، عادت إلى حالها من البناء على السكون، ومقتضى القياس فيها. فلذلك إذا قال في الوقف: "مَنُو"، و"مَنَا"، و"مَنِي" يقول إذا وصل: "مَن يا فتى؟ " وكذلك إذا قال: "رأيتْ نساءً"، فقال في الوقف: "مَنَاتْ؟ "، وإذا قال: "رأيت رجالًا"، فقال: "مَنِينْ؟ "، وإذا قال: "رأيت امرأةً" فقال "مَنَهْ؟ "، أو"مَنتْ؟ " فإنه إذا وصل قال: "مَن يا فتى؟ " بإسكان النون وكذلك إذا قال: "رأيت رجلًا"، وامرأةً"، فبَدَأَ بالمذكر، قلت في السؤال: "مَنْ ومَنَهْ؟ " وإن بدأ بالمؤنث، قلت: "مَنْ ومَنَا؟ " لأن العلامة إنّما تلحق الذي تقف عليه، وهو الثاني، والأولُ لا تلحَقُه علامةٌ، لأنه موصول بالثاني. هذا مذهبُ الخليل وسيبويه (?)، وأما يونس (?)، فكان يُجيز "مَنَة"، و"مَنَةٌ" و"مَنَةٍ" في الوصل كما يكون مع الوقف، ويَقِيسه على "أي"، وزعم أنَّه سمع عربيًا يقول: "ضرب مَن مَنا" (?). وعلى هذا ينبغي إذا ثَنى، أو جمع فقال: "منان"، أو"منون" أن لا يُغيره، ويُثْبِته وصلًا، ووقفًا. واستدل على ذلك بقولِ شَمِر بن الحارث الطائي الشاعر [من الوافر]:

أَتَوا نارِى فقلتُ: مَنُونَ أَنتُمْ؟ ... فقالوا: الجِن قُلْتُ: عِمُوا ظلامًا

فقلت: إلى الطعامِ فقال منهم ... زَعِيمٌ: نَحسُدُ الأنَسَ الطعامَا

وبعضهم يرويه: "عِمُوا صَباحًا"، والأكثرُ "ظَلامًا". ويؤيده البيتُ الثاني. وهو شاذ، وشذوذُه من وجهَيْن: أحدهما: أنه أثبتَ الزيادة في الوصل، وهي إنما تكون في الوقف لا غيرُ. والثاني: أنه فتح النونَ، وحقها السكون. وكان أبو إسحاق يقول فيه: إِن الشاعر اعتقد الوقفَ على "منون"، ثم ابتدأ بما بعده.

وأما قياسُ "مَنْ" على "أي" فليس بصحيح, لأن "أَيا" معربةٌ، و"مَنْ" مبنيّةٌ. وأما ما حكاه من قولهم: "ضرب مَن مَنَا"، فهي حكايةٌ نادرةٌ لا يُؤخَذ بها، وقد استبعدها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015