يريد العينَيْن، ثمّ جاء بمنخرَيْن على القياس، وقال آخر [من الرجز]:
طارُوا عَلاهُن فطِرْ عَلاهَا ... واشْدُدْ بمَثْنَى حَقَب حَقْواهَا (?)
إن أباها وأَبَا أباها ... قد بَلَغا في المَجْد غايَتاها
وهي لغة فاشيةٌ.
فأمّا قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (?)، فقد قرأ ابنُ كَثِير وحَفْص "إن" بالتخفيف، وقرأ أبو عمرو: "إنَّ هذَيْن لساحران" بتشديد النون والياء في "هذين". وقرأ الباقون بتشديد النون والألف. فأمّا قراءةُ ابن كثير وحفصٍ، فعلى أن "إن" المخففةُ من الثقيلة، ودخلت اللامُ فَرْقًا بينها وبين النافية، وأُبطل عملُها لنقصِ لفظها وخروجِها لذلك عن شَبَه الفعل، وهو المختار في "إنِ" المكسورةِ إذا خُفّفت، وقال الكوفيون: "إنْ" ههنا بمعنى النفي، واللامُ بمعنى "إلَّا"، والتقديرُ: ما هذان إلَّا ساحران، وهو حسن على أصلهم، غير أن أصحابنا لا يُثْبِتون مجيء اللام بمعنى "إلَّا".
وأما قراءةُ الجماعة: "إن هذان لساحران"، فأمثلُ الأقوال فيها أن تكون على لغة بني الحارث في جَعْلهم المثنى بالألف على كلّ حال، كأنهم أبدلوا من الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها، وإن كانت ساكنةً، كقولهم في "يَيأسُ": يَاءَسُ. وقال أبو إسحاق: الهاء مرادةٌ، والتقديرُ: إنهُ هذان لساحران، واللامُ مزيدة فيه للتأكيد، وحسُن دخولُها في الخبر حيث كانت الجملةُ مفسِّرةً لذلك المضمر، فكأنّها في الحكم بعد "إن"، فدخلت اللامُ مع الهاء للتأكيد كما تدخل مع عدمها. وقال قومٌ: "إن" ها هنا بمعنى "نَعَمْ"، والمعنى: نَعَمْ هذان لساحران، واللامُ مزيدة للتأكيد، وكان محلها أن تكون في الاسم إلا أنهم أخروها إلى الخبر لوجودِ لفظِ "إن"، و"إن" كانت بمعنى "نَعَمْ". وإذا كانوا قد أخروا لام التأكيد من الاسم إلى الخبر نحو قوله [من الرجز]:
476 - أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهرَ بَهْ ... تَرْضَى من اللحْم بَعظْمِ الرَّقَبَهْ