بعائدٍ إلى المبتدأ، لأنّها هو في المعنى، ولذلك كانت مُفسِّرة له، ويُسمِّيه الكوفيون الضمير المجهول؛ لأنّه لم يتقدّمه ما يعود إليه.
فأمّا قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (?) فقد قال جماعة البصريين والكسائيُّ من الكوفيين: إن "هُوَ" ضميرُ الشأن والحديث، أُضمر ولم يتقدمّه مذكورٌ، وفسّره ما بعده من الجملة. وقال الفرّاء: هو ضميرُ اسم الله تعالى، وجاز ذلك وإن لم يَجْرِ له ذكرٌ لِما في النفوس من ذِكْره، وكان يجيز: "كان قائمًا زيدٌ"، و"كان قائمًا الزيدان والزيدون"، فيكون "قائما" خبرًا لذلك الضمير وما بعده مرتفعٌ به، والبصريون لا يُجيزون أن يكون خبرُ ذلك الضمير اسمًا مفردًا؛ لأنّ ذلك الضمير هو ضميرُ الجملة، فينبغي أن يكون الخبر جملة، كما تقول: "كان زيدٌ أخاك"، فتجعل "الأخَ" خبرًا له، إذ كان هو إيّاه، غير أن الخبر إذا كان مفردًا، كان مُعرّبًا، وظهر الإعرابُ في لفظه، وإذا كان جملةٌ، كان الإعرابُ مقدّرًا في موضعه دون لفظه. ويجيء هذا الضمير مع العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، نحو: "إن" وأخواتِها، و"ظننتُ" وأخواتها، و"كَانَ" وأخواتها، وتعمل فيه هذه العواملُ.
فإذا كان منصوبًا، برزت علامتُه متّصلة، نحوَ قولهم: "ظننتُه زيدٌ قائمٌ"، و"حسبته قام أخوك"، فالهاء ضميرُ الشأن والحديثِ، وهي في موضع المفعول الأوّل، والجملةُ بعدها في موضع المفعول الثاني، وهي مُفسِّرةٌ لذلك المضمر. وتقول: "إنّه زيدٌ ذاهبٌ"، فالهاءُ ضميرُ الأمر، و"زيدٌ ذاهبٌ" مبتدأ وخبرٌ في موضع خبرِ الأمر.
ومثله: "إنّه أَمَةُ الله ذاهبةٌ"، و"إنّه مَن يأتِنا نَأتِه"، الهاء في ذلك كلّه ضميرُ الحديث، وما بعده من الجملة تفسيرٌ له في موضع الخبر، ولا يُحتاج فيها إلى عائدٍ في الجملة، لأنّها هي الضميرُ في المعنى.
ومثله قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يدعوه} (?)، ولا يجوز حذفُ هذه الهاء إلّا في الشعر. لا يجوز في حال الاختيار "إن زيدٌ ذاهبٌ" على معنَى "إنّه زيد ذاهبٌ"، وقد جاء في الشعر. قال [من الخفيف]:
464 - إنّ مَن لَامَ في بَنِي بِنْتِ حَسّا ... نٍ ألُمّة وأعْصِهِ في الخُطُوب