"أَيْنَ"، و"هؤُلَاءِ"، و"حَيْثُ". أصلُ حركةِ التقاء الساكنين الكسرة، وإنّما يُعدَل عنها لضربٍ من الاستحسان من قِبَلِ أنّا رأينا الكسرةَ لا تكون إعرابًا إلَّا باقترانِ التنوين بها، أو ما يقوم مقامَه، وقد تكون الضمّةُ والفتحةُ إعرابَيْن من غيرِ تنوين يصحَبُهما, ولا شيء يقوم مقامَ التنوين، نحو ما لا ينصرِف، والأفعالِ المضارِعة، فإذا اضطُررنا إلى تحريكِ الساكن، حرّكناه بحركةٍ لا تُوهم فيه الإعرابَ، وهي الكسرةُ.

وأمّا تحريكُ الحرف لئلاّ يُبتدأ بساكنٍ، فنحو همزة الاستفهام، وواوِ العطف، وفائِه. والقياسُ في هذه الحروف أن تكون سَواكِنَ، وإنّما الحركةُ فيها لأجلِ وقوعها أوّلًا. وهذا حكمُ كلِّ حرف في أوّلِ كل كلمة يُبتدأ بها من اسمٍ، أو فعلٍ، أو حرفٍ لا يكون إلّا متحرِّكًا.

وقولهه: "لفظًا أو حكمًا"، فالمراد باللفظ ما ذكرناه من نحو: واو العطف، وألِف الاستفهام، وكافِ التشبيه في نحو: "زيدٌ كالأسد"، فهذه الحروف ونظائرُها لا تكون أبدًا إلَّا مفتوحةً؛ لوُقوعها أوْلًا لفظًا. وأمّا كونُها أولًا في الحكم، فنحو كاف ضميرِ المفعول من نحو"ضَرَبَكَ"، و"أَكْرَمَك" فهذه الكافُ منفصِلةٌ في الحكم، يُبْدَأُ بها في التقدير. والمفعولُ فضلةٌ غيرُ لازم للفعل، ولذلك لا تُسكِّن له الفعل إذا اتَّصل بضميره، كما سكّنتَه للفاعل.

واعلم أنّ أصحابنا يقولون إنّ الابتداء بالساكن لا يكون في كلام العرب. وقد أحالَه بعضهم ومنع من تصوُّره، ولا شُبْهَةَ في الإمكان. ألا ترى أنّه يجوز الابتداءُ بالساكن إذا كان مدّغَمًا، نحو: "ثّاقَلْتُمْ"، "تَّخَذْتُمْ"، في "تَثاقَلْتُمْ"، و"اتَخَذْتُمْ"؟ ويُؤيِّد ذلك وأنّه من لغة العرب أنّهم لم يُخفِّفوا الهمزة إذا وقعتْ أوّلاً بأيِّ حركةٍ تَحرّكتْ، نحو: "أَحْمَدَ" و"إبراهيمَ"، ونحو قوله [من البسيط]:

441 - أَأَنْ رَأَتْ رجلاً أَعْشَى [أضَرَّ به ... رَيْبُ المنون ودهرٌ مُفْنِدٌ خَبِلُ]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015