واعلمْ أنّ المضمراتِ كلَّها لك أن تُبدِل منها إلَّا ضميرَ المتكلَّم والمخاطب، فلا يحسن البدلُ من كلِّ واحد منهما عند أكثرِ النحويين، لو قلت: "مررتُ بك زيدٍ"، أو "مررتَ بي زيدٍ" أو"بي المِسكينِ"، كان الأمرُ لم يجز شيءٌ من ذلك؛ لأنّ الغرض من البدل البيانُ، وضميرُ المخاطب والمتكلّم في غايةِ الوضوح، فلم يحتج إلى بيان. وقد أجاز ذلك أبو الحسن الأخفشُ، واحتجّ بقوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} (?)، فقولُه "الذين خسروا أنفسهم" عنده بدلٌ من الكاف والميمِ، وهو ضميرُ المخاطبين. ولا دليلَ قاطعَ في ذلك, لأنّه يحتمِل أن يكون "الذين خسروا أنفسهم" مبتدأً مستأنَفًا, وخبرُه "فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ"، وقد أجمعوا في جوازِ ذلك في بدل الاشتمال، نحوِ قول الشاعر [من الوافر]:
ذَرِينِي إنّ أمْرَكِ لن يُطاعا ... وما ألْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضاعا (?)
وربّما جاء أيضًا في بدل البعض، نحوِ قوله [من الرجز]:
432 - أوْعَدَنِي بالسِّجن والأداهِمِ ... رِجلِي فرِجلِي شَثْنَةُ المَناسِمِ