تنصبهما، نحو قولك: "ما أتاني إلّا زيدًا إلّا عمرًا أحدٌ". والذي يوضِح ذلك قولُ الكُمَيت [من الطويل]:

313 - فَمَا لِيَ إلّا الله لا رَبَّ غيرَه ... ومالِيَ إلّا الله غيرَك ناصِرُ

نفى كلَّ ناصرٍ سِوَى اللهِ، وسوى المخاطَب، وهذا واضحٌ.

فصل [حكم الجملة الاستثنائية]

قال صاحب الكتاب: "وإذا قلت ما مررت بأحد إلا زيد خير منه, كان ما بعد "إلا" جملة ابتدائية واقعة صفة لـ "أحد"، و"إلا" لغو في اللفظ, معطية في المعنى فائدتها, جاعلة "زيداً" خيراً من جميع من مررت بهم.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "إلّا" تدخل بين المبتدأ وخبره، وبين الصفة وموصوفها، وبين الحال وصاحبه، فمثالُ دخولها بين المبتدأ وخبره قولك: "ما زيدٌ إلّا قائمٌ"، فـ "قائمٌ" خبرُ "زيد"، فكأنّك قلت: "زيدٌ قائمٌ"، لكن فائدةُ دخولِ "إلّا" إثباتُ الخبر للأوّل، ونفي خبرِ غيرِه عنه، والمستثنى منه كأنّه مقدَّرٌ. والتقديرٌ: ما زيدٌ شيءُ إلّا قائمٌ. فـ "شيءٌ" هنا في معنى جماعةٍ, لأن المعنى: ما زيدٌ شيءٌ من الأشياء إلّا قائمٌ.

ومثالُ دخولها بين الصفة والموصوف قولك: "ما مررتُ بأحدٍ إلّا كريمٍ"، و"ما رأيتُ فيها أحدًا إلّا عالمًا"، أفدتَ بـ "إلّا" إثباتَ مُرورك بقومٍ كِرامٍ، وانتفاءَ المرور بغيرِ من هذه صفتُهم. وكذلك أثبتَّ رؤيةَ قوم عُلماءَ، ونفيتَ رؤيةً غيرهم. وتقول في الحال: "ما جاء زيدٌ إلّا ضاحكًا"، فتنفي مَجِيئَه إَلا على هذه الصفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015