والتصرّف من خصائِص الأفعال، ومنها أنّه يدخل على لام الجرّ، فتقول: "حَاشَا لزيد". قال الله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} (?). ولو كان حرفَ جرّ لم يدخل على مثله، ومنها أنّه يدخله الحذفُ، نحوُ: "حَاشَ لزيدٍ"، وقد قرأت القُرّاءُ إلّا أبا عمرو: {حَاشَ لِلَّهِ}. وليس القياسُ في الحروف الحذفَ، إنما ذلك في الأسماء، نحوِ: "أخٍ"، و"يَدٍ"، وفي الأفعال، نحوِ: "لم يَكُ"، و"لا أدْرِ"، وهو قولٌ مَتِينٌ، يُؤيّده أيضًا ما حكاَه أبو عمرو الشَّيْبانيُّ وغيرُه أنّ العرب تخفِض بها وتنصب. وحكى أبو عثمان المازنيُّ عن أبي زيد قال: سمعت أعرابيًّا يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ولِمن سَمِعَ حَاشَا الشيطانَ، وابنَ الأصْبَغ"، فنصب بـ "حاشا"، فإذا يكون حالُها كحالِ "خَلَا". وقال أبو إسحاق: {حَاشَ لِلَّهِ} في معنَى "بَرَاءَةَ اللهِ"، مأخوذٌ من قولهم: "كنتُ في حَشَا فلانٍ"، أي: في ناحِيَته، من قول الشاعر [من الطويل]:

306 - [يقولُ الذي يُمْسي إلى الحَزْنِ أهْلُهُ] ... بأي الحَشَا أمْسَى الخَلِيطُ المُبايِنُ

فإذا قال: "حاشا لزيدٍ"، فمعناه: تَباعَد فعلُهم، وصار في حَشَا منه، أي في

ناحِيَته، كما أنّك إذا قلت: "قد تَنحّى" معناه: قد صار في ناحيةٍ منه، فاعرفه.

* * *

[المستثني الذي يجوز فيه الجرّ والرفع]

قال صاحب الكتاب: "والرابع جائز فيه الجر والرفع, وهو ما استثني بـ "لا سيما" وقول امرئ القيس [من الطويل]:

307 - [ألا رُب يومٍ لك منهنّ صالحٍ] ... ولا سيما يوم بدارة جلجل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015