كان موضوعًا بإزاءِ شيء، وأُطلق، فلا يتناول ما خالَفَه. وإذا كان كذلك، فإنّما يصحّ بطريق المجاز، والحملِ على "لكِنْ" في الاستدراك، ولذلك قّدرها سيبويه بـ "لكِنْ" (?). وذلك من قِبَل أنّ "لكن" لا يكون ما بعدها إلّا مخالفًا لِما قبلها، كما أنّ "إلّا" في الاستثناء كذلك، إلَّا أنَّ "لكِنّ" لا يُشترط أنّ يكون ما بعدها بعضًا لِما قبلها بخلافِ "إلّا"، فإنَّه لا يُستثنى بها إلّا بعضٌ من كلّ.

فعلى هذا تقول: "ما جاءني أحدٌ إلّا حمارًا"، و"ما بالدار أحدٌ إلّا وَتَدًا". فهذا المستثنى، وما كان مثلَه منصوبٌ أبدًا، وذلك لتعذُّرِ البَدَل، إذ لا يُبْدَل في الاستثناء إلّا ما كان بعضًا للأوّل، وإذا امتنع البدلُ، تَعيَّن النصبُ على ما ذكرنا في الاستثناء المقدَّم.

وهذا الاستثناء على ضربَيْن: أحدُهما ما النصبُ فيه مختارٌ، والآخرُ واجبٌ، فالأوّلُ نحوُ قولك: "ما جاءني أحدٌ إلّا حمارًا"، و"ما بالدار أحدٌ إلَّا دابَّةً"، فهذا وشِبْهُهُ فيه مذهبان: مذهبُ أهل الحِجاز، وهي اللغة الفُصْحَى، وذلك نصبُ المستثنى على كل حال لِما ذكرناه من الاعتلال، ومذهبُ بني تميم، وهو أن يُجيزوا فيه البدلَ والنصبَ، فالنصبُ على أصل الباب، والبدلُ على تأويلَيْن: أحدُهما أنّك إذا قلت: "ما جاءني أحدٌ إلّا حمارٌ"، فكأنّك قلت: "ما جاءني إلَّا حمارٌ"، ثمّ ذكرتَ "أحدًا" توكيدًا، فيكون الاستثناءُ من القَدْر الذي وقعتِ الشرْكَةُ فيه بين الأحَدِين، والحمارِ، وهي الحَيَوانِيّةُ، مَثَلًا، أو الشَّيْئيّةُ، ويكون تقديرُه: ما جاءني حَيَوانٌ، أو شيءٌ أحدٌ، أو غيرُه إلّا حمارٌ.

الثاني من التأويلَيْن أنّ تجعل الحمارَ يقوم مقامَ مَن جاءك من الرِّجال على التمثيل، كما يُقال: "عِتابُك السيفُ"، و"تَحِيَّتُك الضرْبُ"، كما قال [من الوافر]:

298 - وخَيْلٍ قد دلفتُ لها بخيلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنِهم ضَرْبٌ وَجِيعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015