بعدهما مُخْرَجٌ مما قبلهما، فهو بعد الموجَب منفىٌّ، وبعد المنفيّ موجبٌ مُثْبَتٌ. وإنّما كان المستثنى بهما منصوبًا، لأنّهما فعلان ماضيان، وفاعلُهما مضمرٌ مستتِرٌ فيهما، لا يظهَر في تثنيةٍ, ولا جمع، فتقول: "قام القومُ خلا زيدًا"، و"خلا الزيدَيْن"، و"خلا الزيدِين"، وكذلك "عَدَا" والتقديرُ: خلا بعضُهم زيدًا، وعدا بعضُهم زيدًا، وخلا بعضهم الزيدَين، وعدا بعضهم الزيدَيْن، وكذلك في الجمع. والفاعلُ المضمرُ المقدَّرُ بالبعض مُوَحَّدٌ أبدًا، وإن كان المستثنَى منه مُثَنَّى، أو مجموعًا, لأنّ البعض يقع على الاثنين والجمعِ على حَسْبِ المستثنى منه، فانتصابُ ما بعدهما بأنّه مفعولٌ، فأمّا "خَلَا" فإنّه فعلٌ لازمٌ في أصله لاَ يتعدّى إلّا في الاستثناء خاصّةً، وأمّا "عَدَا" فهو متعدٍّ في أصله مِن "عَدَاهُ الأمرُ، يَعْدُوهُ" إذا جَاوَزَه، وإنّما استُثني بهما - وإن لم يكن لفظُهما جَحْدًا - لِما فيهما من معنَى المجاوَزة، والخروج عن الشيء، فَجَرَيَا في هذا المكان مجرَى "لَيْسَ" و"لا يَكُونُ"، وصار لذلك منصوبُهما هو المرفوعَ في التقدير، كما كان كذلك في "ليس"، و"لا يكون".

وبعضُ العرب يجعل "خلا" حرفَ خفضٍ، فيخفِض المستثنى على كلّ حال، كما أنّ "حَاشى" كذلك، فيكون لفظُها مشتركًا بين الحرف والفعل، فإن اعتقدتَ فيها الحرفيّةَ، جررتَ ما بعدها، وإن اعتقدتَ فيها الفعليّةَ، نصبت بها، وصارت كلفظِ "على" مشترَكةً بين الحرف والفعل، وهذا لا خِلافَ فيه؛ وأمّا "عَدَا" فهي فعلٌ، ولم يَحْكِ سيبويه، ولا أبو العبّاس المبرّدُ فيها الحرفيّةَ، وإنّما حكاها أبو الحسن الأخفشُ، فعَدَّها مع "خَلَا" ممّا يجُرّ.

* * *

قال صاحب الكتاب: "فأما "ما عدا", و"ما خلا" فالنصب ليس إلا, وكذلك "ليس", ولا يكون, وذلك: "جاءني القوم, أو ما جاؤوني عدا زيداً, وخلا زيداً, وما عدا زيداً, وما خلا زيداً". قال لبيد [من الطويل]:

295 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... [وكل نعيمٍ لا محالة زائلُ]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015