أراد: وما كاد تطيب نفسًا بالفراق، ولا حجّةَ في ذلك لقلَّته، وشُذوذِه مع أنّ الرواية: وما كاد نفسي بالفراق تطيب، هكذا قال أبو إسحاق الزجّاجُ.

* * *

[أصل التمييز]

قال صاحب الكتاب: "واعلم أن هذه المميزات عن آخرها أشياء مزالةٌ عن أصلها, ألا تراها, إذا رجعت إلى المعنى, متصفةً بما هي منتصبة عنه, ومنادية على أن الأصل: عندي زيت رطل، وسمن منوان، ودراهم عشرون، وعسل ملء الإناء، وزبد مثل التمرة، وسحاب موضع كف. وكذلك الأصل وصف النفس بالطيب، والعرق بالتصبب، والشيب بالإشتعال، وأن يقال: طابت نفسه، وتصبب عرقه، واشتعل شيب رأسي لأن الفعل في الحقيقة وصف في الفاعل. السبب في هذه الإزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّك إذا أردت أنّ تُخبِر أنّ عندك جنسًا من الأجناس، وله مقدارٌ معلومٌ: إما كَيْلٌ، وإِمّا وزنٌ، وِإمّا غيرُهما من المقادير، جعلتَ المقدار وصفًا لذلك الجنس لتُوضِحه، وتُبيَّن كَمَّيَّتَه, لأنّ الأوصاف تُوضِح الموصوفين، وتُزِيل إبهامَها، فتقول: "عندي خَلٌّ راقودٌ"، و"ثوبٌ ذِراعٌ"، و"دَراهِمُ عشرون"، ومن ذلك قولُ العرب: "أَخَذَ بنو فلانٍ من بني فلان إبلا مائة". قال الأعشى [من الطويل]:

294 - لَئِنْ كنتَ في جُبٍّ ثمانينَ قامَة ... ورُقِّيتَ أَسْبابَ السَّماءِ بسُلَّمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015